مثلا يعلم أنه يجب أن ينتج بضاعة من البضائع بسعر معين ومقادير محددة كما يعلم أن فشله يؤدى إلى دمار المشروع والى تعطل موظفيه وعماله ومن المعتاد أن يكون قادرا على السيطرة على الموقف مادام يتبع الأنظمة إلا في حالات يضطرب فيها النظام الاجتماعي والحاكم المطلق كالقائد العسكري يقود ولا يحكم.
أما رئيس الحكومة في أمة حرة فيوجه البلاد إلى أهداف متغيرة ويدير أعمال جماعات من الناس غير مكلفين بالطاعة ألا بعامل الخوف من الفوضى. وهذا العامل غير موجود في أيام السلم. ولا يستطيع أن يقوم بأي عمل دون أن يوجه أليه خصومه النقد بقصد إحلال رجل آخر مكانه في غير لين ولا رحمة ومساعدوه في هذه الحالة لا يبدون له الاحترام اللازم فإنهم أكفأ له وإن منهم خلفاءه في المستقبل.
وهنا يرد السؤال: ما هي الصفات التي نتطلبها في رجل تلقي أليه أعباء إدارة شؤوننا؟ وأول ما في هذا الباب هو إحساسه بما يمكن وما لا يمكن. وفى الأعمال السياسية يعتبر من العبث أن يخطط القائد لمشاريع عالية عظيمة إذا كانت حالة البلاد لا تأذن بتنفيذها. إن دوافع الشعوب الحرة تشبه متوازي القوى، فالسياسي العظيم يدرك كل الإدراك ماهية القوى ويخاطب نفسه دون أن يرتكب خطأ شنيعا فيقول:(أنني أستطيع أن أمضي إلى هذا الحد لا غير) ولا يسمح لنفسه أن ينحاز إلى طبقة متجاهلا رد فعل الذي يحدث عند الجماعات المهملة. والطبيب الحصيف لا يداوي مريضا من شكوى خفيفة عابرة بعلاج يولد مرض في الكبد. والسياسي العادل لا يرضي الطبقة العاملة على حساب الطبقة البرجوازية، ولا يطلق العنان للبرجوازيين على حساب الطبقة العاملة. وهو يجهد أن ينظر إلى الآمة نظرة إلى جسم حي كبير تعتمد أعضاؤه بعضها على بعض. وهو حرارة الرأي العام كل يوم، فإذا ارتفعت هذه الحرارة أعد العدة لتلافى الأمر وإراحة الأمة.
وهو يدرك الإدراك كله قوة الرأي العام ولكنه كسياسي ماهر يعرف انه يستطيع أن يؤثر فيه بسهولة فأنه يعرف قوة الشعب على عدم الاكتراث بمجهوده، وأن للناس ساعات يبدو فيها منهم العنف، وحق لهم أن يفعلوا إذا كانت الحكومة تجلب لهم الفقر وتحرمهم ما ألفوا من حرية أو تتدخل في حياتهم الخاصة. غير أنهم يرضون أن يسير بهم رجل يعرف إلى أين يتجه ويبدى لهم بوضوح اهتمامه الصميم لمصالح الأمة وأنهم يمكن أن يركنوا أليه