خيوطها في الزوايا غير أن المرأة لم تيأس واستمرت في التنظيف والغسل، فأخذ الطحلب ينمو على رؤوس الأعمدة وتراكم الوسخ في الكنيسة أيام الآحاد. أما أيام الأعياد فقد أرهقتها وذهبت بقوتها واستمر الرجل المسن يقول (ولقد كانت مجاهدة ولا شك، ولكنها كانت مخطئة، وخطؤها لم يكمن في حملتها في سبيل النظافة ولكن محاولتها التخلص من الوسخ بتاتا، كأن شيئا مثل ذلك ممكن. إن الكنيسة مكان لابد من أن يظل متسخا.
والقارة أشد اتساخا من ذلك،
وخاصة إذا كانت قارة عجوزا مثل أوربا، غزتها طوال أجيال عديدة أعشاب والنمال بالكراهية والمرارة. وكان (ولسون) أشبه ما يكون بالمرأة البلجيكية فقد أراد أن يحيل هذه الأرض العتيقة المغبرة في سرعة مفاجئة إلى حلف من المحامين، كانت فكرة بديعة ولا ريب ولكنها كانت مستحيلة التنفيذ كما يستحيل اليوم أن نحاول تنظيف أوربا على أساس الواقع فيها مرة واحدة والى الأبد. والسياسي العظيم مثل الخادم البارع يعلم أن التنظيف عملية يجب أتتم كل صباح وهو يرى الشجار شيء طبيعي فيتحمله بصبر لأن شجارا آخر سيحدث على أثر ما يهدأ الشجار الأول، وهو يوافق على إجراء تسوية مؤقتة وإن كانت لا تكفل له ما يرد، لأنه يعلم أن لاشيء في الحياة البشرية يكفل لأي إنسان كل ما يريد بصورة دائمة. والسلم عالمية أو اجتماعية لابد أن تجئ وإن حالت ذلك عقبات متكررة فتمر سنوات عشر أو عشرون يتم خلالها عمل الجيل ثم يتبع ذلك جيل آخر يمارس حياته اليومية من جديد.
ومن حق الزعيم الذي ينال لقبه عن جدارة أن يكون مطاعا. فالمجتمع البشري الذي لا يستطيع أن يولي زعماءه الذين أختارهم الاحترام اللازم مجتمع مقضي عليه، لأنه لا يستطيع العمل. ولا مانع بالطبع من أن يفضل المجتمع نظاما من الحكم على نظام ففي زمن الحرب مثلا يضطر إلى أن يستبدل بالنظام المدني النظام العسكري، فإذا تم ذلك وجبت الطاعة للزعماء الجدد. أما عدم النظام فيحتم الهزيمة في الجيش والدمار في الصناعة وأما المجتمعات التي تقع تحت رحمة الأنظمة المتضاربة فتنظيمها سيئ فمن ذلك أن يتقسم العمال داعيتان مختلفان، صاحب العمل والنقابة. وهنا يجب أن تعرف حدود صاحب العمل وحدود النقابة معرفة واضحة. فإذا تم ذلك كان لكل منهما سلطان مطلق في