والبحث والاستقراء. ومثل هذا الوضع يلقى على أمانة المجتهد والباحث عبئا جليلا لا يكفي للقيام به مجرد الاقتباس والاستشهاد المجرد من المعنى الشامل للنص الأصيل كما يبدو مع الأسف عند كثير من الذين حاولوا معالجة التطور الاجتماعي على ضوء التعاليم السماوية. ودراسة النصوص الدينية في ناحيتها الاجتماعية عمل خطير، والاستعداد للقيام به يتطلب - بالإضافة إلى إخلاص النية والنزاهة العلمية وصواب منهج البحث - تعرفا على طبيعة المجتمعات التقليدية التي نزلت عليها تلك التعاليم. ولقد وفر علم الأنثروبولوجيات لنا في هذا العصر أسلحة نستطيع به أن ندرس - على قدر الإمكان - عقلية تلك المجتمعات ونظمها وأساليب تفكيرها ومعيشتها وألف نوع ونوع من هذه المميزات التي تتباين بها المجتمعات الحديثة عن المجتمعات القديمة.
والسلوك الإنساني في جوهره متماثل في الجماعات البدائية والجماعات المتقدمة وإن اختلفت أساليب ذلك السلوك بفضل التطور الحضري. ووظيفة الدين الاجتماعية في جوهرها لم تتأثر بالتطور الحضري، إذ أن الدين - كما رأينا في مقال مضى من هذا البحث - من الخصائص الغريزية التي ولدت في النفس البشرية كالأكل والشرب والتزاوج. وقد ارتقت أساليب الناس في إشباع هذه الغرائز الجسمانية بارتقاء الحضارة، إلا أن جوهر تلك الغرائز لا يزال كما كان عليه منذ طرد آدم وحواء من الجنة. ومثل هذه الحقيقة تنطبق بشكل أدق وأصدق على الحياة الدينية الروحانية والحياة الدينية في جميع مراحل التاريخ الديني، مستندة إلى اتجاهين كلاهما يعزز الآخر.
أولهما: - التطلع إلى الخالق الأعظم الذي بيده الحياة والموت وهو على كل شيء قدير.
وثانيهما: - الامتثال إلى تعاليم ومثل وقيم أخلاقية توجه السلوك الإنساني وتعدد للحياة الصالحة السعيدة في الدنيا والآخرة. ومن الصعب جدا كما قال الأستاذ (برات) أن نفرق بين هذين الاتجاهين.
فإذا سمحنا لأنفسنا بأن نصف الاتجاه الأول بأنه العقيدة الدينية، والثاني بأنه الوظيفة الاجتماعية للدين، فإن على الباحث في وظيفة الدين الاجتماعية أن يراعي أشد المراعاة تمازح ذينك الاتجاهين، وإلا فإن أسلوبهفي البحث لا يحقق النفع ولا يتمشى مع حقائق الوضع الاجتماعي، ولا يأخذ بعين الاعتبار جوهر السلوك الإنساني بمعناه الشامل وهو