أصدق المعاني وأقربها إلى الحقائق الاجتماعية التي شرحها لنا (دير كهايم).
إذن فاستنباط التشريع الجديد من التعاليم السماوية واجتهاد الباحثين في علاقة تلك التعاليم بالحقائق الاجتماعية يجب أن يتقيد بهذا التمازج الطبيعي الذي لا مفر منه بين العقيدة الدينية والحقيقة الاجتماعية.
وبمثل هذا المنطق يمكننا أن نعالج موقف الجمود الذي يقفه بعض حفظة الدين في العصر الحاضر إزاء التطور الاجتماعي الذي صاحب نمو الجماعة الدينية. فدراسة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المعاصرة ومساوئها يستوجب على حفظة الدين أمرين: -
أحدهما التسلح بعلوم مستجدة كعلم الأنثروبولوجيات وعلم النفس الاجتماعي وعلم التاريخ الثقافي وغيرها من ألوان المعرفة الحديثة المتشعبة لزيادة تبحرهم في العلوم الدينية وتسلحهم بألسنة العلم الحديث لنشرها بين الناس والدفاع عنها إزاء العبث وسوء الاجتهاد. والآخر يستوجب تفهما صادقا للمشاكل الجوهرية في التطور الذي ألم بحياة الجماعة في شتى أوجه النشاط الإنساني. فتحت لواء هذا التطور تنطوي أصناف من المحاسن والمساوئ خلقتها الفلسفة والثورات الصناعية وتطور الأوضاع السياسية والاقتصادية وما خلفته عن عقد ومشاكل، وما وفرته من أسباب المتعة والإغراء ومن أسباب التفكير الحديث، وكل ذلك خصائص لم تختبرها المجتمعات القديمة التي نزلت عليها التعاليم السماوية في العصور الغابرة. ولما كان الإسلام يصلح لكل زمان فإن وزر القصور في إعادة فتح باب الاجتهاد بأسلحة العلم الحديث وزر خطير، والقصور عن القيام به مع القدرة عليه إثم عظيم.
وخلاصة القول بصدد هذه النقطة من البحث أن في علوم العصر معاول جديدة لتفهم الحقيقة الدينية ووظيفتها الاجتماعية في عالم مضطرب، ومن العبث الذي لا طائل منه أن ينساق المصلحون والمشرعون الاجتماعيون للنيل من العقيدة الاجتماعية والتصدي لحقائقها. فهذه الحقائق تستمد وجودها من الغريزة الدينية، والغريزة الدينية تلعب دورا رئيسيا في أي لون من ألوان الإصلاح الاجتماعي بمعناه الشامل.
ومن العبث أن نحارب الحياة الدينية لأن بعض مظاهرها قد تحمل ألوانا من الشذوذ لا