للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على زي الأتراك، وحضر يوما بدمشق عند سيف الدولة وعنده فضلاؤها فما زال كلام الفارابي يعلو وكلامهم يسفل حتى صمتوا ثم أخذوا يكتبون ما يقول وقد نقل قصة دخوله على سيف الدولة هذه وكيف أن العلماء أخذوا يتلقفون فرائد كلماته ويسجلونها في دفاترهم أبو فداء المتوفى سنة ٧٣٢هـ ولعل هذه الأقصوصة المتواضعة هي أصل تلك القصة الفضفاضة التي تنسب للفارابي البراعة الخارقة في الموسيقى التي استطاع أن يلعب بها بسيف الدولة وندمائه من إضحاك وإبكاء وترقيد، كل ذلك بسحر الموسيقى. ولعل تلك القصة تتحدث عن موقعة ثانية فقد جعل القصاص مسرحها حلب وهذه وقعت في دمشق. ويختصر ابن تغري بردي الأتابكي في النجوم الزاهرة ويلخص إجلاله للفارابي بأن يقول. . وأبو نصر الفارابي صاحب الفلسفة ويحق لأبي نصر أن تعزى إليه الفلسفة فهو من أول بناتها في دنيا الإسلام أما صلاح الدين بن أيبك الصفدي فيقول عنه في الوافي بالوفيات. أبو نصر التركي الفارابي الحكيم فيلسوف الإسلام. وتلاحظ أن المؤرخين تسالموا تقريبا على أنه تركي غير عربي وإن كان من تلاميذ المدرسة العربية في الفلسفة. وقد جرت تركيته الشعوبيين أن يجدوا فجوة وثغرة لغمز القومية العربية، قال الأستاذ العقاد في كتابه عن (أثر العرب في الحضارة الأوربية) (وقد أتخذ الشعوبيون من كون الفارابي وابن سينا من غير العرب - ذريعة للطعن في الذهنية العربية، وأن من ضروب التجني التي لا تحمد من العلماء أن يقال إن العقل العربي لن يستطيع التفلسف بحال من الأحواللأن الفارابي وأبن سينا كانا من سلالة فارسية (كذا) على أشهر الأقوال ولم يكونا من سلالة عربية أو سامية كأنما كانت للفرس قبل ذلك فلسفة فارسية أو كان لهم عذر كعذر العرب في هجر البحوث الفلسفية طوال العهود التي مرت بهم في الحضارة والعمران؟. . على أن الكندي عربي أصيل وفلاسفة الأندلس كانوا من العرب الخ. ونؤاخذ الأستاذ العقاد على اعتباره الفارابي فارسيا وهو تركي وكم من البون الشاسع بين القوميتين؟ ويقول عنه جرجي زيدان في تاريخآداب اللغة العربية (ج٢ص٢١٣) وكان فيلسوفا كاملا درس كل ما درسه من العلوم وفاق في كثير منها وخصوصا في المنطق وألف كتبا في مواضيع لم يسبقه أحد إليها ككتابه في (إحصاء العلوم) وكتاب (السياسة المدنية) وهو من قبيل الاقتصاد السياسي الذي يزعم أهل التمدن الحديث أنه من مخترعاتهم وقد كتب فيه الفارابي منذ ألف سنة. وأصلح

<<  <  ج:
ص:  >  >>