كفاية لهم غير ما يعتبرونه من شرف المولد والنسب. وهم من خلال ذلك يتوقعون تحول هذه الأوضاع، وفيهم من أوتى علم ذلك عن طريق الأحبار في خارج الجزيرة فهو يلزم هذا الحرم حتى تبزغ منه الشمس المرتقبة. . . ثم تبزغ هذه الشمس فيهرع إلى دفئها أولئك الضعفاء، وهنا يدخلون في طورهم الثاني الذي عرفهم فيه التاريخ، وهو طور الإيمان القوي الذي يحتمل عنف الإيذاء ويتقبل الاستشهاد في غبطة وسرور، ويأتي هنا التصوير الصادق البارع للعراك بين الأرستقراطية الشامخة الضالة وبين الإنسانية الضعيفة في أصلها، القوية بإيمانها المهتدية إلى صراط الحق المستقيم. أما الطور الثالث فهو تحقيق الله وعده للذين استضعفوا أن يمكن لهم في الأرض ويجعلهم أئمة، فقد انتصر الإسلام، وساوى بين الناس، لا فرق بين عربي وحبشي إلا بالتقوى، وظفر أولئك المستضعفون بالحرية وبالمنزلة الاجتماعية الرفيعة، فصاروا من أئمة المسلمين وولاة أمورهم وأهل الرأي فيهم، بل ظفروا بما هو خير من ذلك كله، وهو خلود الذكر وحسن الجزاء في الآخرة.
وقد أخذ الفلم من ذلك صوره على أوضاع مختلفة تهتم بإبراز دعوة الإسلام قبيل ظهورها، وعند ظهورها وانتصارها، ولم يهتم بالتتبع الإنساني والاجتماعي لأولئك الأبطال بقدر ما اهتم بالظروف العامة، فهو مثلا لم يبرز الثورة التي كانت مكبوتة في نفوسهم تجاه الطبقة التي تسودهم، ومنجيي الإسلام للقضاء على أسباب هذه الثورة وتنظيم المجتمع على أساس جديد، وقد اعتمد الفلم في تصوير الجو الذي قصد إليه على إظهار أولئك الأبطال بالقدر الذي احتاج إليه لا بالقدر الذين يحتاجون هم إليه في التحقيق والتحليل على نحو ما في الكتاب، فلم يظهر غيرهم من أعيان المسلمين أمثال حمزة وأبي بكر وعمر، فهؤلاء - أولاً - لم يكونوا من غرض الكتاب، ولو كان غرضه (ظهور الإسلام) ما أهملهم. أما ثانيا فلا يخفى أنه من غير السهل إظهارهم على الشاشة لاعتبارات يصفونها بأنها دينية ويعنون بذلك (رجال الدين) وهنا مهزلة عقلية عجيبة! كيف يباح. تمثيل بلال وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وأمثالهم، ثم يحظر إظهار حمزة وأبي بكر وعمر وأمثالهم. .؟ ألم يسو الإسلام بين الجميع. .؟ أليس لأولئك اعتبار كهؤلاء إن كان الاعتبار يمنع الظهور في ثوب التمثيل؟ إن معنى هذا التفريق أننا نستشعر تلك الجاهلية ونصطنع تلك الأرستقراطية