للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الستون التي جمعت (كلمات قاسم أمين) الموجزة في الأدب والاجتماع، أمثلة خالدة من عمق التصور ودقة التصوير.

نعم! عني قاسم أمين بإصلاح المجتمع المصري في خلقه وعاداته، ونظمه واقتصادياته، وتربيته وتعليمه، ولغته وأدبه، ولكنه رأى أن علة العلل في فساده هي حال المرأة. والمرأة قوام الأسرة، والأسرة نواة الأمة؛ فإذا صلحت المرأة صلح الرجل، وإذا صلح الرجل صلح المجتمع. والنساء نصف الشعب الذي يربي نصفه الآخر؛ فإذا ظللن محجوبات جاهلات متعطلات، ظل المجتمع ريضا لفقدانه تثقيف الأمومة، غليظا لحرمانه تلطيف الأنوثة. يعمل بيد واحدة لأن الأخرى شلاء، ويمشى على قدم واحدة لأن الأخرى عرجاء. وكانت المرأة في عهد قاسم شيء لا يذكر، وإذا ذكر لا ينظر؛ إنما كانت حبيسة المنزل، تضرب عليها الحجب، وتبث حولها العيون، وتقضى من دونها الأمور، وينظر إليها الزوج نظرة إلى الفراش الملقى، فلا يؤكلها على مائدة، ولا يجالسها في بهو، ولا يماشيها في شارع، ولا يشاورها في شأن، ولا يذكر اسمها إلا مكنيا عنه بالبيت أو الأولاد أو الجماعة. وكان من جريرة ذلك عليها أن وهن جسمها لقلة العمل، وساء خلقها لفقد الحرية، وضعف تفكيرها لترك التدبير، وغفل ضميرها لعدم المسؤولية، فلم تفكر إلا في حللها وحليها، ومدافعة الضرائر والجواري عن نصيبها من زوجها. لقد كانت خارجة عن دنيا الناس، (فلم يبقى لها من الكون - كما قال قاسم في كتابه (تحرير المرأة) - إلا ما استتر من زوايا المنازل. واختصت بالجهل والتحجب بأستار الظلمات، واستعملها الرجل متاعا للذة، يلهو بها متى أراد، ويقذف بها في الطريق متى شاء. له الحرية ولها الرق. له العلم ولها الجهل. له العقل ولها البله. له الضياء والفضاء ولها الظلمة والسجن. له الأمر والنهي وعليها الطاعة والصبر. له كل شيء في الوجود، وهي بعض ذلك الكل الذي استولى عليه).

بذلك تأثر قاسم، وفي ذلك جاهد قاسم. فعرض القضية على وجوه المعقول والمنقول، فلم يجد لاستعباد المرأة حجة إلا استبداد الرجل، فجاءه من طريق الدين والمروءة والمصلحة وفي يديه كتاباه: تحرير المرأة، والمرأة الجديدة، يزيف بها حجته، ويخفف غروره. وكان لابد لمن يخالف المألوف ويعارض الموروث ويصادم الواقع أن يلقى ملقيه المرسلون والمصلحون من عنت الجدل ولدد الخصومة. ولكن محرر المرأة كان قوي الإيمان برأيه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>