للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شديد الإخلاص في سعيه، فلم يهن لما أصابه في سبيل الحق ولم يستكن. وإنما بذرة البزرة في وسط العواصف الهوج والسحب المرعدة، ثم تركها في ذمة الطبيعة والزمن، وظن الرجل العنيد على هذه البزرة بالغذاء والري، حتى أدركها غوث الله، فانتشر التعليم، وانتعشت الحرية، واتصل الجيل الجديد بالمدنية الغربية، فرأى فيما رأى أن المرأة في المجتمع الأوربي هي روحه ونشاطه وجماله وصقاله ووحيه، فاستشعر للمصرية الاحترام، عن تقليد في الأكثر، وعن اعتقاد في الأقل؛ ولكنه وقف من قضيتها موقف المشاهد المحايد لا يمر ولا يحلي. وكانت صفوة من كرائم السيدات قد تحررن، بكرم النسب، أو بسلطان المال، أو بقوة العلم، فأقبلن على بزرة قاسم يتعهدنها بالسقي حتى أزهرت، وعلى شعلته يمددنها بالزيت حتى أسفرت. وفي ظل هذه الشجرة، وعلى ضوء هذه الشعلة، تألف (الاتحاد النسائي)، فكان في النهضة الحديثة قوة عاملة ظهر أثرها في التشريع والتعليم والمواساة.

وقويت المرأة المصرية بتقدم المدنية وشيوع الثقافة، فحلت قضيتها بنفسها على الرغم من معارضة الرجل.

كان الرجل يأنف أن يشرك امرأته أو يشاورها في شأن من شؤون عمله أو منزله؛ فأصبحت اليوم ولها من القوة ما تسيطر به عليه: فهي تدبر له العيش، وتحدد له السلوك، وتختار له الصديق، وتنتقي له الثوب، وهو لا يسعه إلا أن يلازم ويتابع، فلا ينفرد إلا بأذنها، ولا يغيب الابعلمها، ولا يتقدم عليها في ترتيب، ولا يفصل من دونها في خلاف، ولا يتعدى في مناقشة الميزانية المنزلية حدود الإيراد.

وكان الرجل يمنع امرأته من أن تخرج، فأصبحت اليوم ولها من السلطان ما تمنعه به إذا شاءت من أن يدخل.

وكان الرجل يرفض أن تتعلم المرأة الكتابة مخافة أن تتصل عن طريقها بالخارج، فأصبحت اليوم ولها من الثقافة ما تنافس به الرجل في المحاماة والطب والأدب والصحافة.

وكان الرجل يأبى على زوجته أن تسفر عن وجهها في الطريق، فأصبحت اليوم ولها من الحرية ما تسفر به عن جسمها على الشاطئ.

وكان الرجل يكره المرأة أن تقرع باب الصالون على ضيوفه، فأصبحت اليوم ولها من

<<  <  ج:
ص:  >  >>