من معارفهم مما كان له أكبر الأثر في علومهم وفلسفاتهم التي غزت العالم أجمع. يؤكد هذا المؤلفون اليونانيون أنفسهم إذ يقولون:(إن العلوم كانت مجهولة كل الجهل لدى اليونانيين حتى ملك أبسمانيك عرش مصر وفتح أبواب بلاده للأجانب بعد طول إقفالها، فتقاطر إلى وادي النيل الملاحون والتجار والسياح من اليونان، فبهرتهم المدنية المصرية، وكانوا على كثير من البربرية فاعتزم أولو الفهم منهم تعلم ما ينقصهم في مدارس الكهنة بمصر. . . وكذلك جاء طاليس وسولون وأفلاطون وفيثاغورس فحصلوا ما خلد أسماءهم في بطون التواريخ، ومعروف أن فيثاغورس وحده قضى بمدارس ممفيس وطيبة عشرين سنة).
إن أول فيلسوف يوناني - وهو طاليس - قد حج إلى مصر وبهرته حضارتها ومعارفها لدرجة أنه أوصى (فيثاغورس) بزيارتها! وأثر مصر في (طاليس) واضح بين يظهر في مذهبه القائل بأن أصل الكون هو الماء، فقد تأثر فيه بأسطورة مصرية تقول إن الماء قد وجد قبل أن يوجد شيء في الكون لأنه العنصر الأول المشتمل على جميع عناصر الموجودات.
وفيثاغورس صاحب الفلسفة العريضة العميقة قد تأثر أيضا بمصر فقد قضى فيها - كما يذكر المؤرخون - عشرين عاما ينهل من معارفها وعلومها، وأخذ عنها نظريتي خلود الروح وتناسخ الأرواح كما يشير إلى ذلك الأستاذ (ليجران) في تعليقه على (هيرودوت) حينما ذكر الأخير في الفقرة رقم ١٢٣ أن المصريين أول من قالوا بخلود الروح، ثم أشار إلى قولهم بتناسخ الأرواح وقال:(ومن اليونانيين من نقلوا هذه النظرية بعضهم قديما وبعضهم حديثا وظهروا بها في اليونان كأنها نظريتهم وكأنهم هم الذين وضعوها، وأنا أعرف أسماء هؤلاء الذين فعلوا هذا ولكني لا أذكرها). يعلق (ليجران) مترجم هيرودوت على هذا بقوله: وهؤلاء الذين أبى هيرودوت أن يذكر أسماءهم هم الأورفيون وفيريسيد وفيثاغورس وأمبيدوكل). ويطيب لي هنا أن أذكر تعليق المرحوم عبد القادر حمزة باشا على قول هيرودوت هذا إذ يقول: وهذا هو الذي يفسر لنا هذه الظاهرة الغريبة. . . وهي أن كثير من العلماء اليونانيين الذين أقاموا في مصر واتصلوا بمدارسها ثم عادوا إلى بلادهم وكتبوا مؤلفاتهم لم يقل واحد منهم إنه اقتبس منها علما أو فنا). والواقع أن قول هيرودوت قد كشف لنا عن حقيقة هامة يجب أن يوليها الباحثون عناية فائقة، فإنه من