تنقلوا في مصر، فمن الشعراء مثلا هومير وأورفي وموزي وميلامب، ومن المشرعين ليكورج وصولون، ومن المؤرخين هيكاتي وهيرودوت وهيلانيكوس، ومن الفلاسفة والعلماء طاليس وفيثاغورس وكزينوفون وديموقريت وإيدوكس وإبنوبيد وأفلاطون).
وإن الأستاذ (ماسون أورسيل) قد قرر بعض آثار مصر في اليونان حين عرض للصلة التي كانت قائمة بينهما بقوله: (وأهم ما أخذته العقلية الإغريقية عن مصر هو الهندسة التي تعد النموذج الأصيل للمعرفة حسب مذهب أفلاطون) ثم يذكر أن مقاييس المسطحات والمكعبات كانت دقيقة إلى أقصى حد عند قدماء المصريين، ويشير إلى نضوج علم الحساب لديهم ذاكرا أن حساب الكسور كان يعد أهم شيء في هذا العلم، ويذكر أيضا أن حل المعادلات الرياضية كان من الأمور اليسيرة عندهم إلى أن يقول:(وكل هذه المعارف والعلوم قد أخذها اليونانيون عن قدماء المصريين بما في ذلك خيط البناء والساعة الشمسية وساعة الماء ثم يستطرد قائلا: (وكان علم الفلك موضع ملاحظات منظمة ومتوالية فقد جعلت السنة ٣٦٥ يوما وربع يوم مقسمة إلى اثني عشر شهرا، وكان الأسبوع سبعة أيام مسماة بأسماء الكواكب السيارة السبعة، واليوم مكونا من اثنتي عشرة ساعة نهارية ومثلها ليلية. . . وفكرة البروج وشكل الكون الكروي، وكروية الشمس والقمر لا الأرض التي كانت تعد حلقة مستوية ممنطقة بالمحيط، وطبيعة النجوم النارية، وشرح الخسوف والكسوف. . .) الخ (وكل هذه المعارف والأفكار قد أخذه اليونانيون - إما قضية مسلمة وإما موضعا للنظر والبحث - عن قدماء المصريين. . . وإليهم أيضا يمكن أن تنسب نظرية العناصر الأربعة في الطبيعة مع فكرة أن الماء هو العامل الأساسي).
ولقد تأثرت اليونان أيضا بالديانة المصرية القديمة التي يجمع الباحثون على أنها أول ديانة بشرية في الوجود، وأكبر مثل على هذا التأثير انتشار عبادة (إيزيس) في اليونان، وتشييد معابدها على الطراز المصري، والتعبد فيها بطقوس شبيهة بالطقوس المصرية، حتى أن بلوطرك اليوناني ألف كتابا عن (إيزيس وأوزريس)، ومما جاء فيه قوله: إن (هذا الشعب (يريد الشعب المصري) لم يكن كما يتوهمه بعضهم يدخل في حفلاته الدينية أي مبدأ غير معقول ولا أي عنصر يوعز به الوهم أو توعز فيه الوسوسة، وإنما كانت عاداته تقوم على ما في إتباع هذه العادات نفسها من الفوائد أو على الافتتان في تسجيل ذكريات تاريخية