للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعلى أن المعتصم لغفلته (قد استعمل فروعا لم تنجب إذ لا أصول لها) كما قال أسحق بن إبراهيم. وأبو تمام حين يلتمس الأعذار اللطيفة أو يتنقر البراهين القوية، لا يجد أرحب من التاريخ سجلا للحوادث، ولا موردا للأسى والعبر. . فليكن للمعتصم في انخداعه أسوة بالرسول وآل بيته، خدعوا في اختيارهم، ولم يصيبوا في بعض تقديرهم، فما نقصهم ذلك فضلا، ولا أعلق بهم مذمة.

والمشار إليه في قصة الرسول عليه الصلوات هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح. صحابي أسلم قبل الفتح واستكتبه النبي عليه السلام، فكان يكتب موضع الغفور الرحيم، العزيز الحكيم. . وأشباه ذلك. فأطلع الله عليه النبي عليه السلام فهرب إلى مكة مرتدا، وفيه نزل قوله تعالى: (ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله). وقد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح دمه، ثم استأمن له عثمان، فأمنه الرسول.

وفي أخبار أبي العيناء أنه دخل على عبيد الله بن سليمان فشكا إليه حاله فقال: أليس قد كتبنا لك إلى إبراهيم بن المدبر؟ فقال: كتبت إلى رجل قد قصر من همته طول الفقر، وذل الأسر، ومعاناة محن الدهر، فأخفقته في طلبتي. قال: أنت اخترته. قال: وما علي أعز الله الوزير في ذلك؟ قد اختار موسى قومه سبعين رجلا فما كان منهم رشيد، واختار النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي سرح كاتبا فرجع إلى المشركين مرتدا؛ واختار علي ابن أبي طالب أبا موسى حاكما له فحكم عليه!

وأما (مختار) بني هاشم الذي يشير إليه أبو تمام فهو المختار ابن أبي عبيد بن مسعود الثقفي. كانت لأبيه في الإسلام آثار جميلة. والمختار هو كذاب ثقيف الذي جاء فيه الحديث. وكان يزعم أنه يوحي إليه في قتلة الحسين فقتلهم بكل موضع. وقتل عبيد الله ابن زياد. وله أسجاع يصنعها وألفاظ يبتدعها، ويزعم أنها تنزل عليه وتوحي إليه.

وإشارة أبي تمام إلى المختار الثقفي تنطوي على معنى دقيق، فهو رجل على خبث طويته وانحراف مذهبه قد خدم آل البيت، بما أبلى في الدفاع عنهم، وبما أراق من دم أعدائهم. ثم تمادى به طغيانه فزايل الحق وتنكب عن نهج الدين، فكان أن قاتله مصعب بن الزبير حتى قتله (في رمضان سنة ٦٧هـ). وهكذا عفى بما أحدث من شر على كل ما سلف له من خير. ومثل هذا صنع الأفشين حين أبلى في الجهاد السنين ذوات العدد، ونصر الدين بسيفه

<<  <  ج:
ص:  >  >>