وهما مدح له وتنويه في إبان تألق مجده وهكذا يتفوق أبو تمام في الحديث عن ألأفشين مادحا له في حياته أو قادحا فيه بعد موته.
ويبدو لنا أنه كان صادق التأثر مطبوع المعاني في كلتا الحالتين. أما اللامية فقد اقترح عليه إنشاءها عبد الله بن طاهر والي خراسان وهو على بابه بنيسابور، وقت أن كان الأفشين يعصف بقوى البابكية في أرشق. ومطلع هذه القصيدة:(غدا الملك معمور الحرى والمنازل)
روى أبو بكر الصولي قال: استنشد خالد بن يزيد أبا تمام قصيدته في الأفشين التي ذكر فيها المعتصم، وأولها:
تسربل سربالاً من الصبر وارتدى ... عليه بعضب في الكريهة قاصل
وقد ظللت عقبان أعلامه ضحى ... بعقبان طير في الدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها ... من الجيش إلا أنها لم تقاتل
قال له خالد: كم أخذت بهذه القصيدة؟ قال: ما لم يرو الغلة، ولم يسد الخلة. قال: فإني أثيبك عنها. قال: ولم ذاك، وأنا أبلغ الأمل بمدحك؟ قال: لأني آليت لا أسمع شعرا حسنا مدح به رجل فقصر عن الحق فيه، إلا نبت عنه. قال: فإن كان شعرا قبيحا؟ قال: أنظر فإن كان أخذ شيئا استرجعته منه!
فهذا نصيب اللامية وحظها من التقدير، أما النونية التي مطلعها (بذ الجلاد (البذ) فهو دفين) فقد مدح بها أبو تمام الأفشين عندما قدم ببابك إلى سر من رأى، فأمر الخليفة باستقباله وأفاض من نعمته عليه. يقول الطبري: توج المعتصم الأفشين وألبسه وشاحين بالجوهر، ووصله بعشرين ألف ألف درهم منها عشرة آلاف ألف صلة، وعشرة آلاف ألف يفرقها في أهل عسكره، وعقد له على السند، وأدخل عليه الشعراء يمدحونه، وأمر للشعراء بصلات، وذلك يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر (٢٢٣هـ). وكان مما قيل فيه قول أبي تمام الطائي:
بذ الجلاد البذ فهو دفين ... ما إن به إلا الوحوش قطين