ومسكين أنا! لقد كنت سعيدا مغتبطا بما كنت ألحظه في بنيتي من شدة الرغبة في التعليم، وهأنذا أرى الجذرة المتقدة في قلبها تكاد تخبو! وقد علمنا أن لا شيء أخطر على مستقبل الناشئ من إرهاقه وتبغيض التعليم إليه، ولهذا لم يكن يهمن مقدار ما تحصله ابنتي بقد ما يهمني أن تظل جذوة الرغبة في العلم متقدة بقلبها.
لذلك رحت أتقصى الأمر وقد تبادر إلى ذهني أولا أن هذه الروضة التي انتقلت إليها الطفلة هذا العام تسير في نهج غير الروضة التي قضت فيها العامين الماضيين، ولكن علمت بعد، أن أطفال الرياض سيمتحنون آخر العام امتحانا عاما! وعلى ذلك راحت المدرسة التي كانت روضة، ترسل إلي كل شهر تقريرات عن الطفلة تثير العجب، فليس بها أية ملاحظات تربوية، بل تكاد كلها تكون صورة واحدة مضمونها أن الطفلة في حاجة إلى عناية! أية عناية بالله؟! هل أستأجر لها معلما خصوصيا؟ وهل أنا أرسل ابنتي إلى روضة أطفال تعالج فيها بوسائل التربية الحديثة التي تقوم على التشويق والمرح، أو أبعث بها إلى مدرسة تلقنها المعلومات وتحشو ذهنا بما لا يقوى على هضمه، وتريد المدرسة أن أعينها على هذا الحشو والتلقين، بل أقول الإفساد والتشويه!
كنت أسمع شكوى بعض من يلي أمر التعليم في المدارس الابتدائية، من ضعف التلاميذ الذين تخرجوا في الرياض بالقياس إلى من تعلموا في المدارس الأولية، وهي شكوى تدل على ضيق الأفق، لأن المعلومات والمهارة التعليمية التي اكتسبها الفريق الثاني إنما جاءت على حساب الإهمال في التربية الفكرية والذوقية والجسمية التي يهتم بها في الرياض، أو المفروض أن يهتم بها فيها، إلى ما في التبكير والإسراع في التزويد بالمعلومات من القسر والإرهاق اللذين لا يتحقق معهما شعور المتعلم بفائدة ما يتعلمه واقتناعه بحاجته إليه.
فهل ذاك الامتحان المزمع، انتصار لشكوى الآلات التي لا تحسن إلا الحشو والضغط كما تحشى عياب القطن وتضغط لتحتوي على أكبر كمية ممكنة؟
وأكبر العجب أن يكون ذلك، وعلى رأس وزارة المعارف الدكتور طه حسين باشا، وفي الوقت الذي يعلن فيه الحرب على الامتحانات. . في الوقت الذي قرأنا فيه كلمة معاليه في اجتماع مجلس التعليم الأعلى، التي يقول فيها: