للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألم تشهد كيف غدروا بالملك العادل أمس؟ وكيف خاسوا بعهده؟ وكيف كادوا يبطشون به لولا فراره واختفاؤه! إنهم بذلك يمهدون السبيل لأمير آخر من أمراائهم، يسلمونه زمام السلطنة، لقاء ما ينالونه على يديه من حظ جديد! ثم ليتهم يستقيمون في تأييدهم حتى تتم بيعة السلطان المختار بغير شغب أو نزاع. . . لقد بلغني أمس أن الأمراء اجتمعوا للتشاور في منزل الأتابكي قانصوه خمسمائة، الذي لم يظهر من يوم اختفائه. وهذا المنزل في قناطر السباع. وفي مقدمة الأمراء المتشاورين، الأمير قبيت الرجي، وقانصوه الغوري، وطراباي، ومصرباي، ثم انضم إليهم أخيرا الأتابكي تانى بك الجمالي الذي اختفى من وجه الملك العادل، خوفا من أن يفتك به. فظهر أخيرا عندما سنحت له فرصة الظهور، وانضم إلى الأمراء المتشاورين.

واعتقادي أنه ما من أمير من هؤلاء إلا وهو يخطب السلطنة لنفسه، ومن ورائه فئة من الجنود يؤيدونه. . . ومع ذلك قيل إنه تم اختيار تاني بك الجمالي للسلطنة، ثم سرعان ما غدر به الجند، ولم يرضوا بسلطنته، فرجع الأمراء عن ترشيحه لها. وهكذا أفلت من يديه زمامها، قبل أن تتم رسومها.

واليوم تتردد الإشاعات أنها ستكون من نصيب الأمير قانصوه الغوري. . وهو على كل حال، أمير طيب القلب بلغ من العمر ستين عاما. ومع ذلك لا يزال فتى النفس، لم يبد في شعر لحيته بياض مشيب.

لكن! أرأيت إلى أي حد يعبث هؤلاء المماليك بمصير مصر وشعبها، بينما الشعب يغط في نوم عميق؟ لقد بلغني منذ قليل أن عددا من أشرار المماليك الجلبان انتهز فرصة عيد الفطر اليوم، وانصراف الناس إلى الراحة والاستجمام،! أو التفرج بالزينة والموكب، وعاثوا في أسواق القاهرة فسادا، وأحرقوا بعض الدور، ونهبوا ما فيها. فهل ترجو من أمثال هؤلاء نظاما أو إصلاحا؟

- صدقت في حديثك. . . ولكنهم - على أية حال - دعامة الدولة وسند السلطان. وهم حقا ضريبة من ضرائب الإهمال يفرضها الزمان علينا. غير أننا لا ننسى أنهم دفعوا العدو عن بلادنا زمنا طويلا. وحسبك ما مر من عشرات السنين كان للفرنجة في بلادنا مآرب لا تنقضي، وكان للتتار مآرب أخرى. فوقف لهم هؤلاء الأبطال، وأوقعوا بهم في مواقع عدة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>