الوريفة، والمتنزهات اللاعبة. والربيع الأوربي على الجملة تغيير في
النفس وتجديد في الحياة. والتغير والتجدد يلهمان القرائح الخلاقة شعرا
يمتزج فيه الوجدان بالوجود، ويتصل به الخيال بالحقيقة.
أما شعراءنا المصريون فأي جديد يأتيهم به الربيع في آفاقهم وفي أنفسهم؟ إن الشمس والدفء والصحو والطير والزهر والزرع والماء من خصائص مصر الطبيعية، لا تنفك عنها طيلة العام، حتى ألفتها المشاعر والنفوس، فلا تشتاقها لأنها لا تغيب، ولا تحتاجها لأنها لا تنقطع. ومن هنا تشابهت الفصول الأربعة في حس الشاعر، فلا يكاد يرى اختلافا بينها إلا في حيوية الشتاء وشاعرية الخريف. ولذلك لم يجد الشعراء ما يقولونه في الربيع. فإذا قالوا مدفوعين بغريزة المحاكاة أو بشهوة المعارضة، قالوا كلاما قد يكون منضد الألفاظ، مجود التشابيه، ملون الصور؛ ولكن الفرق بينه وبين الشعر الصحيح يكون كالفرق بين الجماد والحي، أو بين الدمية والمرأة
ولقد نظرت في شعرنا القديم والجديد فلم أر شاعرا قبل شوقي ولا بعده خص الربيع بقصيدتين من محكم الشعر وجيده، إحداهما طويلة مستقلة، أهداها إلى الكاتب القصصي هول كين، والأخرى قصيدة تابعة جعلها صدرا لقصيدته التي نظمها في المهرجان الذي أقيم لتكريمه، يقول في الأولى:
آذار أقبل قم بنا يا صاح ... حي الربيع حديقة الأرواح
وأجمع ندامى الظرف تحت لوائه ... وأنشر بساحته بساط الراح
صفو أتيح فخذ لنفسك قسطها ... فالصفو ليس على المدى بمتاح
واجلس بضاحكة الرياض مصفقا ... لتجاوب الأوتار والأقداح
إلى أن يقول:
ملك النبات فكل أرض داره ... تلقاء بالأعراس والأفراح
منشورة أعلامه من أحمر ... قان وأبيض في الربى لماح
لبست لمفدمه الخمائل وشيها ... ومرحن في كنف له وجناح