ولعلنا نذكر أن ألمانيا قد استطاعت أن تكتسح أوربا في فترة وجيزة حتى بلغ بها الأمر أن استولت في ليلة واحدة على دولتين: هما النرويج والدانمارك، وفي مدى أسبوع سقطت فرنسا تحت أقدامها، وأصبحت ألمانيا سيدة أوربا ولم يبق أمامها سوى إنجلترا
وقد وجهت ألمانيا إلى بريطانيا طائراتها فأخذت تقذف عاصمتها بوابل من قنابلها ليلا ونهارا، وكانت تبغي من غير شك إضعاف نفسية الشعب الإنجليزي حتى تضطر حكومته إلى طلب الصلح. ولكن الخلق الإنجليزي لا يبدو واضحا جليا إلا في أوقات الأزمات؛ فقد صمد الشعب الإنجليزي وخاب فأل الألمان
ولعلك تسألني لم لم ترسل ألمانيا قواتها فتحتل أرض بريطانيا كما فعلت مع فرنسا وأنا أجيبك بأن ألمانيا قد فكرت في ذلك من غير شك، فلما تحققت أن الأسطول البريطاني واقف لها بالمرصاد نكصت على عقبيها وارتدت عن فكرتها ولجأت إلى الحرب الجوية وانتهى الأمر بفشلها، وظلت ألمانيا حبيسة في داخل القارة. ولما تمكنت إنجلترا من جمع حلفاء حولها نظمت قواتها وقوات حلفائها وعمدت إلى إثارة الشعوب الأوربية ضد ألمانيا ثم نزلت قواتها إلى البر في أرض حليفتها بالأمس فرنسا، وظلت تحارب حتى تم لها النصر، وكان الأسطول يحاصر ألمانيا وأملاكها وينقل العتاد والذخائر والمؤن إلى بريطانيا وحلفائها
لعلك قد تبينت أيها القارئ الكريم أهمية الدور الذي لعبه الأسطول البريطاني في الحرب الأخيرة، وأنا الآن أنتقل بك إلى موضوع آخر هو: كيف أصبحت بريطانيا أمة بحرية، وكيف تمكنت من إحراز السيادة العالمية البحرية؟
وأحب أن أحدثك قليلا عن بريطانيا قبل أن أجيبك عن هذا السؤال. إن تلك الدولة العتيدة تتكون من عدة جزائر أهمها جزيرتان: الجزيرة الكبرى وهي تضم إنجلترا وويلز واسكتلندا، والجزيرة الثانية وتشمل أيرلندا، وهناك عدة جزائر أخرى متناثرة حول هاتين الجزيرتين
وتقع الجزائر البريطانية في شمال غرب أوربا، ويفصلها عن القارة بحر المانش وبحر الشمال وقد كان لهذا الموقع أهمية كبرى في تاريخ بريطانيا، ذلك أنه جعلها بعيدة عن التأثر بالتيارات السياسية، والانقلابات التي تتعرض لها القارة الأوربية، وجعلها بمنجاة من