كل الاستقرار، وهناك أسباب غير ذلك سنشير إلى بعضها بعد حين
والطريقة الثانية هي الطريقة التي يرعى فيها امتياز كل ممتاز أو خصائص كل ذي اختصاص، وتوجيهه الوجهة التي تلائم اختصاصه، فيسند إليه العمل الذي يستجيش ملكاته ويجليها ويصقلها، ويحفظ عليه ثقته بمبدإه حتى تبدو شخصيته على أوضح ما يمكن أن تكون. فما من قوة ولا استعداد في الإنسان قد خلقه الله عبثا، بل خلقه لوظيفة في الكون، فكل مواهبه إنسانية لها مجال نشاط في الحياة يقابلها، فإذا أطلقت فيه وتمرست بتجاربه تفتحت ونضجت وازدهرت
ومجالات النشاط في الحياة متعددة، والمهم أنها - مع تعددها - متنوعة، فكل مجال منها يختلف قليلا أو كثيرا عن المجالات الأخرى، فالكفاية التي يحتاج إليها تختلف قليلا أو كثيرا عن الكفاية التي يحتاج إليها غيره من المجالات
والسير على هذه الطريقة هو السير العادل الذي يعطي فيه كل ذي حق حقه، ويضعه حيث تضعه كفايته، فيتاح لكل (ممتاز) المجال الذي يزدهر فيه (امتياز) ويترك غير الممتاز في دركه الخامل حيث يمسكه قصوره الذاتي متخلفا عن الممتازين دون خطأ أو إجحاف
غير أن السير على هذه الطريقة - مع عدله - ليس ميسورا للعبقري في كل أحواله ولا سيما في أول ظهوره، وقد ألمعنا منذ سطور إلى أهم الأسباب وهو ضيق المجالات وقلبناها أمامه، كما ألمعنا إلى سبب آخر هو تخوفه من طغيان الممتاز إذا أعجبته نفسه وأخرجه الغرور عن حده، وهناك أسباب غير ذلك، على أن كل الأسباب التي تحمل العبقري على تجنب الاستقامة على هذه الطريقة العادلة، منها الضرورية الخارجة عن إرادة العبقري فلا اختيار له فيها، ومنها الاختيارية التي تستلزمها السياسة العليا للمبدأ، في هذه الأحوال لا يبدو العبقري في حيفه مختارا كل الاختيار، بل مختارا كمضطر أشد الاضطرار
فالعبقري - وهو يعرف لكل ذي فضل فضله - قد يلجأ مثلا إلى تأخير الفاضل وتقديم المفضول اعتمادا على الثقة بالفاضل دون المفضول، استرضاء لغرور المفضول أو ضعفه، أو لأن الفاضل لا يضيره تقديم المفضول عليه، أو لأن تقديم المفضول على الفاضل هو الذي يكفل للعمل الجمع بين كفايتهما معا، أو لأنه بقى الناس الأخطار التي تتهددهم من تقديم الفاضل، إذ يحمل عليهم فيض امتيازه دون ضابط يكبحه عن الطغيان إذا