حاوله، أو بقى الناس الفتنة به، فمن وراء فتنة الناس (بالصاحب) الفاضل دون المبدأ نسيانهم المبدأ الذي فتح إيمانهم به سبل النمو والازدهار لمواهبهم، وبلغهم ما بلغوا من الفضل والكفاية، وفي ذلك ما فيه من خسران كل جهاد في سبيل استقرار المبدأ وانتشاره، فإن الناس إذا تحولوا عن الإيمان بالمبدأ إلى الإيمان بتابعه الذي لم يكن فاضلا إلا به خسروا كل قوى الإيمان الدافعة التي استجاشها المبدأ في سرائرهم، وفقدوا الإحساس بكل الصلات التي تربطهم بالوجود، وما كانوا ليحسوا بها دون الإيمان بهذا المبدأ، وبذلك يفسد إيمانهم ذاته وتفسد معه كل آثاره، وفي ذلك فساد الفاضل الذي هم مناط فتنتهم، وفسادهم هم لكل أسباب الفساد التي ذكرنا. وقد لا تفسد فتنة الناس بالفاضل فضله، فلا يفسدون طول حياته مع فساد إيمانهم بالمبدأ، ولكنهم خليقون بعد موته أن يخسروا أنفسهم بذهابه بعد أن خسروا في حياته إيمانهم بالمبدأ، وخسروا كل قوى الدفع والتماسك التي ابتعثها الإيمان بالمبدأ في نفوسهم، على أن خسران الإيمان بالمبدأ وخسران آثاره لا بد أن تظهر بعض عواقبه الوخيمة في حياة الفاضل، ولا بد أن تظهر كلها بعد موته. هذا إلى أن عمر الفاضل - مهما يطل - قصير، أو هو على الأقل غير قابل للامتداد كعمر لمبدأ. ومن أجل ذلك كان هم المصلحين في كل زمان ومكان أن يثبتوا في نفوس الناس الإيمان بالمبادئ دون الأشخاص ولو كانوا هم عباقرتها، لأن أعمار الأشخاص قصيرة، وأعمار المبادئ قابلة للامتداد، ولقد أصاب أبو بكر إذ قال بعد موت النبي (ص) وهو يخطب الصحابة (من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)
وإذا كنا قد أشرنا قبل إلى أن الممتاز في استعمال العبقري على الطريقة الأولى لا يعدو أن يكون (رقما) في عملية جمع حسابية كبيرة أو صغيرة، فما أحرانا أن نشير إلى أنه يبدو في استعماله على الطريقة الثانية (رقما) في عملية ضرب حسابية سواء أكان المضروب فيه كبيرا أم صغيرا، فكل رقم في المضروب فيه الرقم الممتاز يبدو أعظم من حقيقته، وحسبنا لفهم ذلك أن نقارن بين حالين لجماعة من الجماعات سواء كانت أمة أم قبيلة أم حزبا أم نقابة أم جيشا: حالها وقد ولى أمرها رئيس عاجز، وحالها والمدبر لأمرها رئيس كفء، إن الجماعة في حالها الأولى تبدو مختلفة اختلافا كثيرا عنها في الحالة الثانية، وقد تبدو في الحالتين وكأنها جماعتان مختلفتان كل الاختلاف، لا جماعة واحدة في حالين لا اختلاف