للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليس لي اعتراض على كل ما قاله الأستاذ مردم بك، إلا إن الذي لفت نظري في هذه الدراسة الرواية التالية. .

قال الشارح في الصفحة (٥) من المقدمة (ولما بلغ السن التي يذهب بها الصغار إلى الكتاب، بدأ يذهب كل يوم من داره في شارع (دجيل) ببغداد إلى كتاب في الحي يجمع بين صغار الصبيان والبنات. وكان علي حسن الوجه ذكي الفؤاد كثير النشاط. ظهرت عليه مخايل النجاية منذ طفولته، فكان يسعر البيت وثباً وقفزاً ولعباً وضجيجاً، حتى أقلق والده بضوضائه وجلبته، فسأل أبوه معلم الكتاب يوماً أن يحبسه في الكتاب، فلما رأى رفاقه ينصرفون إلى دورهم وهو محبوس ضاق صدره فأخذ لوحته وكتب فيها إلى أمه

يا أمتا أفديك من أم ... أشكو إليك فظاظة (الجهم)

قد سرح الصبيان كلهمو ... وبقيت محصوراً بلا جرم

وبعث باللوح إليها مع رفيق له من الصبيان، قال على (وهو أول شعر قلته وبعثت به إلى أمي، فأرسلت إلي أبي: والله لئن لم تطلقه لأخرجن حاسرة حتى أطلقه).

ومن حوادثه في الكتاب أن أخذ لوحته يوماً وكتب فيه إلى بنت صغيرة كانت معه

ماذا تقولين فيمن شفه سهر ... من جهد حبك حتى صار حيرانا

وأن البنت الصغيرة أخذت وكتبت تجيبه.

إذا رأينا محباً قد أضر به ... جهد الصبابة أوليناه إحسانا

وهكذا بدأ يقول الشعر وهو صغير جداً ولعله كان دون عشر سنوات من عمره.

فهذه الرواية التي يوردها الأستاذ مردم بك نقلاً عن طبقات الشعراء لابن المعتز والأغاني ومختصر طبقات الحنابلة أشك في صحتها بالرغم من المصادر التاريخية التي أعتمد عليها الشارح، وشكي يقع على سن الشاعر حين نظمه الأبيات المتقدمة، وهي العشر سنوات إذ أن من المحال أن يستطيع طفل دون البلوغ أن يقول شعراً ومنظوماً موزوناً فيه معنى بصياغة عالية. . ومهما يكن ذلك الطفل ذكياً فلا يتسنى له الإجادة في تلك السن المبكرة، لأن الشعر موهبة وصنعة تحتاج إلى حذق ومران. ولدي شواهد كثيرة من أن فحول الشعراء ما نظموا الشعر الجيد قبل العشرين أبداً. . وقبل الاطلاع على نفائس الشعر القديم وحفظه، لأن حفظ الشعر الجيد يربي الملكة ويقوي القابلية ويعصم الناظم من الاختلاف في

<<  <  ج:
ص:  >  >>