في ذلك الحين كان الأمير طراباي قد استجمع فؤاده، وعملت الدسيسة في نفسه عملها. . ففر من لدن العادل ومعه جمع من الأمراء، فتبعهم عدد من الجنود فارين إليهم، وذلك عند الغروب.
أسقط في يدي العادل وأيقن أنه مغلوب لا محالة، وأن مصيره دنا، فرأى أن يودع عرشاً لم يجلس عليه إلا قرابة ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وعينه باكية ونفسه والهة. ورأى أن ينجوا بجلده في طي الليل، وأن يختفي عند بعض خاصته وخلصانه، حتى لا يمرقه أعداؤه إرباً إرباً. . فنزل من القلعة والظلام يستره، يتحسس طريقه متنكرا كأوضع نكرة في رعيته، وأصبح حسبه من الملك أن يملك إهابه.
أما قيت الرحبي ومن معه فقد دهموا القلعة بعد قليل، وملكوا زمام الأمر فيها، ولما علم الجند فرار العادل استباحوا لأنفسهم الهجوم على مخازن الميرة والسلاح والإسطبلات السلطانية، فنهبوا منها الشيء الكثير.
أخذوا الأمراء يتشاورون توا في تعيين سلطان جديد. وبعد لأي تم اختيار الأمير قانصوه الغورى - على نحو ما وصفنا - وتمت بيعته في صبيحة عيد الفطر، ومن ثم سار موكبه، ونعم القاهريون بمرآه. .
استوى الغورى على عرش البلاد، وتسلم مقاليد السلطنة، وشغل زمناً بمواكبه، وبالخلع والمناصب التي أخذ يوزعها على أنصاره، تهدئة للخواطر وتسكينا للفتن. .
غير أنه وأعوانه من الأمراء ينامون على جمر الغض، ويتقلبون على فراش القلق والحيرة والحذر. ويعتقدون أن العادل مادام على قيد الحياة، فهو خطر دائم جاثم يهدد سلطتهم وحياتهم.
وفي يوم التأم شمل الأمراء عند سلطانهم الغورى وفيهم قتيت الرحب، وقد صار أنابيكياً، ومصر باى الدوادار، وطراباى رأس التوبة، وجان برى الغزالي المحتسب، ومهم وإلى القاهرة وآخرون.
فوجه السلطان الغورى حديثه إلى أتابكية قيت وقال
- السلطان: أيها الأمير الكبير! ألم يأن بعد الجند الثائرين أن يثوبوا إلى رشدهم، ويكفوا عن غلوائهم، ويرمجوا جانب العقل والحزم على الطمع والفتنة؟ إن الخزانة والحواصل