قالت: نعم. . إنني مرغمة على ذلك. . فقد بلغني اليوم أن شقيقتي أقعدها المرض وقد رفض قبولها في المستشفى. . لأنها لا تملك ثمن دواء. . ورأيت أن واجبي نحوها يدعوني أن أقدم إليها المساعدة. . فلم أجد سوى أن أرهن فراشي راضية أن أفترش الأرض. . حتى يتسنى لي أن أجمع هذا المال فأرد به فراشي. . على أن أذهب الآن. . قبل فوات الأوان. . أما الطفل فلا أدري أين أو دعه ريثما أعود. . فهزت الشفقة والرحمة نفس جان فترقرقت دموعه في عينه وقال: دعي فراشك هنا. . وإنه ليسوئن أن أراك على هذه الحال. . هاهي عشرة فرنكات أقدمها إليك لتستعيني بها على شراء الدواء لشقيقتك المريضة. . أذهبي حالا الآن. . واتركي الطفل هنا. . أقوم على حراسته حتى تعودي. .
وحاولت أن تشكره على شهامته. . ولكن الكلمات ارتبكت على لسانها. . واستعصت في فمها فأنفجر الدمع من عينها. . وغادرته بعد ما عهدت إليه بطفلها. .
واستلقى جان فوق الفرش المحزومة. . وأخذ يتأمل أثاث الغرفة والطفل أخرى ويناجيه بقلبه: أيها الطفل المسكين. . هذه هي جناية آبائنا. . وأمهاتنا. . يرموننا في هذه الحياة بالرغم عنا. . دون أن يأخذوا رأينا. . ولو سئلنا. . لا ريب كان جوابنا. . لا. . لا نريد أن نحيا. .
ثم يعود إلى نفسه ويتساءل: ما أكثر أمثال هذا المسكين. . حيث ينتظرهم المستقبل المبهم. . ليقذفهم في مضمار شقائه. . فأي مستقبل ينتظرهم. . وأي صباح يبتسم لهم. . وأي مساء يقطب أمامهم. .
مسكين هذا الطفل. . فها هي جدته قد أنهكها طول العهد. . وقد أصبحت على حافة القبر. . تنتظر موافاة المنية بين يوم وآخر فأي مصير سيكون لهذا المسكين وأي سبيل سينتظره. . علم الله. . عله يكون من هؤلاء المنبوذين. . المتشردين في أرض الله. . يتخبطون في خضم من الجنايات وينساقون في سيل من الجرائم هؤلاء اللصوص الذين يودعون حياتهم بين جدران السجن في عذاب. . وألم. . وحرمان. .
وهكذا تسلطت هذه الأفكار. . واستولت رأس جان. . فانطلقت الدموع إلى سبيلها. . وهو مطرق ساهم. . يتأمل الطفل حيناً. . ويسبح في خياله وقد خيم عليه الهدوء والسكون. . إلى أن دخلت عليه الأم (ماتيو) فوجدته على حاله يبكي. . فاستخبرته عن سبب بكائه