للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن طريقة الاشتقاق والتوسع في الساميات قائمة على الارتقاء من الأقل والأنقص، إلىالأكثر والأكمل، أي حب السنة الطبيعية، سنة الرقي، وليس بالعكس ألا من باب الاختزال وهو نادر، ولا يحدث في طور التكون والنشوء، بل في عصر الكهولة والهرم. وأنا من القائلين بأن الاشتقاق في العربية يتم بزيادة حروف، لا بطريقة النحت أو التركيب. لأن اللغات السامية عموما، والعربية خصوصاً، ليست بنحتية، والعلاقة الأساسية الثابت وجودها في الغالب بين المشتق والمشتق منه هي اللحمة أو الصلة المعنوية، مع توسع الدلالة وتطورها بالانتقال من حيز المعاني المادية الحسية إلى حيز المداليل المجردة والمجازية، ثم المقلية الروحية.

وفي طور التكون اللغوي تبدأ الزيادة بالحروف عن طريق السماع دون القياس، فتنشأ بضرب الفوضى، ثم تسير رويداً رويداً في سبيل التكامل والاستقرار. فمنها ما يبلغ درجة القاعدة والقياس المطلق أو النسبي؛ ومنها ما يتخلف فيبقى دون نظام ومما يساعد على استمرار هذه الحالة هو مفاجأة اللغة المتكلم بها بتدوينها بالكتابة، وإنزالها منزلة اللغة الفصحى المتصفة بالميل إلى المحافظة على الحالة الراهنة قدر مستطاعها لمقاومة التطور الملازم طبيعة كل الأشياء

هذا وأنا من الذاهبين إلى عدم وجود علاقة طبيعية ضرورية بين الصوت أو الحرف أو الكلمة وبين المعنى المتعلق بها. لأن الأصوات مجردة، وليس في طبيعتها ما يجعلها دالة حتماً على الشيء الفلاني أو الفحوى الفلاني، إنما تنشأ الصلة بين الصوت والمعنى اتفاقاً، أو بإدارة المتكلمين عن طريق السماع أو الاستعمال

أنا غير جاحد إن لبعض الكائنات الطبيعية دويا، وللحيوانات أصواتا. بيد أن الناس لا يقتبسون القدرة على التصويت أو التكلم بالتعلم من الطبيعة أو الحيوان. لان ذلك من خاصية أعضاء النطق فيهم، وبفضل هذه الخاصية يتمكنون من محاكاة دوي الطبيعة وأصوات الحيوانات، لكن بطريقة متباينة، إذ أن كل فريق أو قبيلة أو شعب يتوهم فيها سماع نوع من الدوي والصوت؛ فيحاكيها طبقاً لهذا الوهم.

وبعض الأحيان تجري هذه الزيادة بالحروف لمقاصد تلوح منضادة، دونكم أحرف المعارضة فأنها تستخدم لأداء دور واحد خاص بكل منها، بل للقيام بأدوار عدة متمايزة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>