فالياء تستعمل للغائب والمثنى وللجمع المذكر والمؤنث والنون للمتكلمين. لكنها تأتى أيضا في السريانية للغائب المفرد والجمع وفي بعض الأحيان اللهجات العربية للمتكلم. الهمزة تكون للمتكلم بيد أنها ترد للغائب في طائفة من اللهجات المسفورة: التاء تدل على المخاطب المذكر والمؤنث وعلى المثنى والجمع المذكر والمؤنث. وكذا القول في الميم المتوجه بعض الصيغ فأنها تدخل على اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر الميمي واسم المكان والزمان واسم الآلة وفي كل هذه المباني تختلف المداليل والحرف واحد.
زد على ذلك إن الحروف عرضة للإبدال في العربية كما في أخواتها السامية فإن الثناء العربية تبدل تاء في الأرمنية وشينا في العبرية واللأكدية والحبشية والذال العربية تبدل زايا في العبرية والاكدية والحبشية ودالا في الأرمنية. ثم أننا نجد في العربية العين والغين والحاء والخاء، وفي اللغات الباقية لا يوجد سوى حرف واحد يقابل الاثنين العربيين، وفي الاكدية لم يبق إلا الخاء، فضلا عن هذا هناك التغير الطارئ على بعض الحروف بفعل التفخيم، فإن التاء تفخم فتضحي دالا، ثم طاء، ثم ظاء، والسين تفخم فتصبح صادا، والضاد العربية تمسى صادا في العبرية، لا بل عينا في السريانية، وهلم جرا.
كل هذا دليل على ما أبديناه من إن الحروف مجردة من ذات طبعها إنما يخصص لها معان وأدوار بالسماع والاستعمال. ومن باب الإطلاق يمكن القول بأن كل الحروف - ماعدا المتنافرة غير القابلة التجاوز تركيبا ولفظا - تصلح لان تكون حرفا للتوسع، ولا سيما في طور التكون، أي طور الرساس الأولية الثنائية الذي يعقبه طور الثلاثية بزيادة حرف ثالث على الحرفين الرسبين. أما تداول هذه الحروف فمتباين، إذ منها ما يستخدم اكثر، ومنها ما يبقى نادر الورود.
ولنا مثال في العربية على بقاء حالة الفوضى وعدم الخضوع لقياس في المصادر الثلاثية المجردة، وجموع التكسير وحركة عين الماضي والمضارع من المجرد الثالث وعدم ورود كل المزايدات لكل واحد من المجردات. فأنها كلها لا ضابط لها فتستند على السماع وتعرف من المعاجم وكذا القول في الحروف التي تزاد على الرساس والأصول فإن بعضها يستمر دون قيد ولا رابط على الحالة البدائية ولا اعتماد في شأنها ألا على الصلة المعنوية بين المزيد والمزيد فيه، قدر ما يتوصل إلى تحقيقها بعد التطورات والتقلبات الكثيرة التي