روعته وزلزلت أقدامه، حتى اضطر إلى الفرار هارباً بمن معه. ولكنه بعد أن جرح الأميران طراباى وتمر الزردكاش.
رحل مصرباي بعد ذلك إلى الازبكية ليجمع شمل أعوانه ويلم شعثهم. مغريا كثيراً من الأمراء والجنود أن ينضموا إليه، ليعاود الزحف والهجوم، ولكن لم يطعه أحد.
ثم ذهبت إليه في جمع حاشد من المماليك السلطانية، فحملنا عليه حملة صادقة، هو ومن معه من الثائرين، حتى قتلناه شر قتلة، وحملت جثته على فرس إلى الأبواب السلطانية الشريفة.
طراباى: لو إن مولانا لم يغدق على مصرباى كل هذا الإغداق، ولم يبسط له رداءالأمل إلى آخر مداه، لما تطلع إلى ابعد من منصبه الذي رقى إليه، ولكفكفت أطماعه، وتضاءلت همامة نفسه وعجزت عن أن نطيع هواها، ولما خدعته نفسه الأمارة بالسوء بأنه أهل للسلطة أو الانابكية. والنفس كالجواد إذا روخى له في الخطام شرد وجمح، وإذا جبذ من الزمان تطامن وكبح.
السلطان: أيها الأمير طراباي إن لمصرباي على السلطنة يد لا تنساها، فكان حقاً علينا أن نبر له في الجزاء، ونجزل له في العطاء. . . لقد تعصب مصرباي للسلطنة قبل أن تتعصب أنت لها. . . ردعا الأمراء إليها، وأنت لاه عنها بجوار الملك العادل، يغريك من بعيد بالانابكية، ويضمرلك في نفسه الغدر والخيانة والحرمان والإقصاء عنها. . . حتى فطنت أخيرا إلى مكره، وبدأت تلمس خفي غدره. فانحزت إلى جانبنا، ولكن بعد أن لأي ومراودة
أما مصرباي فقد دبر أمر القبض على العادل بهمة وعجلة وحزم. وكان أهلا لمنصبه. ذا كفاية مذكورة، ودراية مشكورة، وإقدام كان له الأثر في النصر والظفر. . وما كنا لننعى على أحد كفايته أو نغض من شأنها، أو نسد سبل العمل أمام مواهبه، أو نجفوه. . . أن السلطنة العادلة هي التي تفسح المجال أمام الكفايات حتى تنتفع بإنتاجها. وإذا هي غضت من شأنها كبتتها، حتى تستحيل بعد حين نارا محرقة يصعب إطفاءها. ولا يشير حقد الأكفاء مثل الجفاء. . . غير أن الرجل الكفء لا يشوهه مثل نكوصه وغدره، وحيرته بين أطماعه وتردده. وان عدم الولاء آفة. وهو جرى أن يطوح بهم نحو الحضيض، ويسير بهم