قيت: إذا كان السجين قد فر، هو وأخوته، فذاك تراخ وغفلة من الحراس، وسأقتص منهم. أما أنا فلا ادري كيف تستسيغ يا قرقماس، أن ترميني بأني هيأت لهم أسباب الفرار.؟ المال ابتغيه؟ وقد وهب لي الله منه الشيء الكثير، على يدي مولانا السلطان. . . أم لجاه ابتغيه؟ ومنا تستمد أسباب الجاه، أم لمنصب تتطلع إليه، وقد بلغت من المناصب الذرى. . .؟
حقاً! أنها لتهمة غريبة مريبة، ولعل في النفس شيئاً ستتكشف عنه الأيام. . .؟
السلطان: أيها الأمير قيت! إن المال لا حد لطمع النفس في جمعه. . . ما دامت النفس قد أشربت حبه. . . وأما المنصب فلا يزال أمامك فيه جوالة. . .! إن هناك منصب السلطنة. . .! وهو من القلب وقرة العين ومطمح الفؤاد.
أيها الأمراء! انتم جميعاً تعلمون أنني أزهدكم في السلطنة، وأشدكم جفاء لها. . . فمن شاءها منكم فليتقدم في غير مواربة ولا خيانة.
إنني مستعد للاختفاء من الميدان في هدوء وطمأنينة، بقلب راضٍ ونفس مستقرة شاكرة.
لقد أقمت في السلطنة زهاء ثلاثة أعوام، وان أوطد في دعائمها، واثبت من أركانها، أعالج من ثرواتها. ثم بدا لي أن اطمئن واقر بالهدوء فيها عيناً. . . فإذا أنا حالم واهم. . . وإذا الأماني في العيون سراب. وحقاً يؤتى الحذر من مأمنه.
قلقماس: حاشا يا مولانا أن يخيس أحد بعهدك، أو يشق عصا طاعتك، أو يخرج عن حظيرة ودك. . . أننا لنسيل دماءه على حد ظبانا، ونقطع أشلاءه على غرب سيوفنا، ونزهق روحه لتذهب للمعتبرين حديثاً.
إلا فليحدث نفسه بالسلطنة من شاء، وليذهب به خيال الأمل إلى ابعد الأنحاء. فنحن من وراءه نقطع جسده بدداً ونتركه طرائق قدداً.
أزدمر الدوادار: وأنا معك يا قرقماس. نحمي حوزة السلطنة، ونبذل الروح رخيصة في سبيل الذود عنها، ودفع الكائدين عن مها بالأذى.
ثم لا ادري أيها الأمير قيت؟ لماذا كنا معاً يداً واحدة ضد مصرباي. . . ذلك الذي كان ينقم منا نحن الاثنين. . . أليس ذلك لأننا كنا نحيط ائتماراته بالسلطنة. . . وندفع كيده عنها