العرفية للشعب. وما أروع القاهرة في سكتتها عند الإفطار وجلبتها عند السحور وهزتها ساعة انطلاق المدفع! أما إذا كان في دنيا الإسلام من يستقبل رمضان بالوجه الكالح والصدر الضيق واللسان الطويل والغيظ الخانق فهم ثلاثة:
الخمار الأجنبي، والشيطان المغوي، والمسلم المزيف.
فالأجنبي صاحب القهوة أو البار يستقبل في رمضان الكساد المحزن، لأن القهوة في النهار يكثر فيها الجلوس ويقل الطلب، والبار في الليل تهجره الكؤوس ويفارقه الطرب. ورمضان هو المسؤول، لأن السكير في رمضان لا يشرب، والمقامر في رمضان لا يلعب. وصاحب القهوة مضطر بحكم الصنعة أن يقدم إلى الصائمين أدوات التسلية بالمجان حتى المغرب، وأن يقدم إلى المفطرين أكواب الماء المثلج طول السهرة حتى السحر! والشيطان يستقبل في رمضان حصناً من الخير لا يدخله الشر ولا تفتحه الرذيلة. فإذا حاول إبليس أن يدنو منه رده بالنهار، وصده القرآن بالليل، فيظل كما يعتقد القرويون مصفداً بالأغلال مقيداً بالسلاسل حتى ينطلق من إساره في آخر يوم من أيام رمضان.
والمسلم المزيف يستقبل في رمضان فطاماً لشهواته ولجاماً لغرائزه وقيداً لحريته؛ فهو يرميه بما يرميه به الأوربيون من قلة الإنتاج وكثرة الإهلاك وشل الحركة وقتل الصحة، فيشيح بوجهه عنه، ويتخذ لنفسه رمضان آخر رقيق الدين خفيف الظل باريسي الشمائل، يبيح النظرة الآثمة والكلمة العارية والأكلة الدسمة والكأس الدهاق والسيجار الغليظ، ولا يكلفه إلا أن يجعل عشاؤه من باب المجاملة عند الغروب وبعد طلقة المدفع. وإذا كان في بيوت المحافظين قارئ يقرأ القرآن، وذاكر يذكر الله، وساق يقدم المرطبات، فليكن في بيت هذا الصنف من المسلمين مقصف يجمع ما حل وما حرم من لذائذ الحس، فتجتمع إليه زمر من السيدات والأوانس ومعهن أبناؤهن وأخوتهن من الأيفاع والشباب، فيعزف البيان، ويخفق العود، ونشدوا الكواعب، ويهزج الفونغراف، ويدور الرقص على نمطيه الشرقي والغربي، فتلتف السواعد على الخصور، وتلتصق الصدور بالصدور، وتمتزج أنفاس الخمور بأنفاس العطور، ويقف رمضان الأصيل من هذه المناظر المريبة وقفة من شيوخ الدين دفعت به الأقدار إلى ماخور.
وهكذا يجد العالم ونحن نلعب! كأنما كتب علينا أن نأخذ الحياة من جانبها الفضولي العابث