للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ت (قم) تم، (قم) نا، مما جاء دليلاً واضحاً على أن الأصل هو الثنائي، وأن هذا الثنائي يدل على معنى تام في حالته الثنائية، وكذا الشأن في الناقص، فإن لامه ليست حرفاً، بل إطالة أو إشباع الفتحة السابقة، مثلاً: (رمى) هو الثنائي (رم) حرك حرفه الثاني بفتحة مشبعة علامتها في الرسم ألف، كذلك (رم) ت هي (رم) نا هما، مما يظهر فيه الأصل الثنائي ملحقاً به ضمير متصل.

أما المضاعف فهو بالحقيقة مركب من حرفين كما يتجلى ذلك في معاجم الأقدمين (ككتاب المقاييس) لابن فارس، فانه يسميه (الثنائي) ويذكر في المادة حرفين لا غير، ويرى ذلك في المضاعف الرباعي أو المطابق كما يدعوه ابن فارس، وما هو سوى ثنائيين مكررين، مثلاً: (قرقر)، (خرخر)، (دبدب)، (مرمر)، (لعلع)، (لألأ. . . إلخ).

ومن هذه المادة شيء كثير في اللغات السامية ولهجاتها، وقد جمعنا منها ٣٥٠ في العربية الفصحى، ويوجد أكثر منها في اللهجات. وما هذه الأفعال وأسماؤها إلا حكاية أصوات الطبيعة والحيوانات المندفعة إلى تكرار مقاطع لا حروف، وكل مقطع مركب عادة من حرفين متحرك فساكن، مما هو وارد على هذا النمط في اللغات السامية الباقية، كالسريانية مثلاً نجد فيها (بلبل) (زلزل). وكذا الحال في اللهجات، أما الفصحى، فالفتحة الواقعة في آخر الثنائي، وفي آخر الأفعال السالمة، إنما كان داعي وجودها هو الوصل. فعوض القول: خرخر الماء، قيل في الوصل: خرخر الماء.

وبدل مثل الرجل قيل في الوصل، قبل الرجل وبعد ذلك بقيت الفتحة في غير حال الوصل.

وأنت ترى أن الطبيعة عينها ميالة إلى الثنائية، لا إلى الأحادية، كما يمكن بعضهم التوهم أن الإنسان الأول بدأ يتكلم بحروف منفصلة، لأن الحروف المنفصلة لا وجود لها إلا في جدول الأبجدية، أي في الكتابة ولا في اللفظ، والسبب أن أعضاء النطق عينها لا تخرج للتكلم حروفاً صامتة متفرقة، بل مقاطع مركبة من الصامتات تحركها الصائنات.

ومن الأدلة علو وجود الثنائي في أصل اللغات ولا سيما السامية منها، هو أن المضاعف العربي الذي يقال إنه مركب من ثلاثة حروف أصلية لا تجد مقابله في السريانية إلا بحرفين اثنين لا أكثر، مثلاً مقابل (مص) مص، وبحذاء (حم) حم، وبازاء (مس) مس

<<  <  ج:
ص:  >  >>