وهكذا كل المضاعفات التي هي بالحقيقة ثنائيات. الثنائي وارد في كل الساميات متصفاً بمعنى حقيقي وتام ولنا برهان حسي جلي على وجود الثنائي في أصل اللغة يستخرج من العناصر الأولية للغة العربية، وهي أسماء الأصوات ودعاء الحيوانات وزجرها، وبعض أسماء الأفعال، فهي ثنائية. ومنها كان بدء صوغ الفعل المضاعف ومكرره. مثلاً (أف) كلمة تكره (آه) للتوجع (به) بخ لاستعظام الشيء (غس) لزجر الهر (ضع) اسم صوت يزجر به الجمل عند ترويضه (بس) دعاء، وزجر للغنم، (صه) أمر بالسكوت، (مه) أمر بالكف.
فمن هذه الثنائيات صيغ أفعال إما بتحريك الساكن وتشديده؛ وإما بتكرار الثنائي ذاته وتحريك الآخر في العربية. فقيل: أف، أه، به، بخ، غس، ضع، بس، صهصه، مهمه.
وكذا القول في:(تب)، فإنه مشتق من ثب، ومنه المكرر (ثب ثب).
أما (وثب) فهو ثب زيدت فيه الواو تتويجاً، فحصل من ذلك ما يدعى في الصرف مثالاً، وجدير بالملاحظة كيفية وقوع الزيادة في (ثب)، (ووثب) أي بإضافة حرف مع بقاء اللحمة المعنوية بين المجرد والمزيد، وهي بالحقيقة مستمرة بينهما، إذ أن (ثب) يراد به الجلوس بتمكن، و (وثب) يعني القعود في لغة حمير، ويدل على النهوض وعلى الظفر، على أن هذا التضاد يزول إذا عرفنا أن الثنائي (ثب) متضمن معنى عاماً، هو فحوى الحركة التي هي أساس هذه المداليل المختلفة، لا بل المتنافرة ظاهرياً. فعند فريق أو قبيلة من القبائل دل الفعل على القعود، لأن في القعود حركة، وعند قبيلة أخرى أطلق الفعل على القيام والقفز، لأن في ذلك كامن المدلول، وهو الحركة
أما القول - وهو قول أحد الغربيين - بأن (من وثب) هو بمنزلة من جلس في الهواء، فهو من المعاني التي لم تخطر على بال العرب حين تداولوا كلمة (وثب) لحسبان مثل هذا الحادث عصر ذاك من خوارق الأنبياء، بيد أنه يفهم في عصرنا الذي تمكن فيه الإنسان من أن يجلس نوعاً من الجلوس في الهواء أي بركوبه الطائرة
ومما يجدر بالذكر أن مقابل (ثب) العربية وارد في ومعناخ وثب، جلس، قعد. مما ينجم عنه بوضوح أن الرس الثنائي هو (ثب)، فتوسع في الزيادة بطرق مختلفة مع استمرار الصلة المعنوية بينه وبين مزايداته، أي فحوى الحركة أولاً في العربية بتضعيف حرفه