الرغبة العجيب الذي يغفل حتى الفطنين ويجرهم إلى الأغاليط التي كانت تتضح في الحال في أي وقت آخر وإني أعتقد أنه لو لم نكن وجلين من الموت لما ظهرت فكرة الخلود أبداً.
إن الخوف أساس العقيدة الدينية كما هو أساس الكثير من أمور الحياة الإنسانية، والخوف من الكائنات البشرية، أفراداً وجماعات، يسود كثيراً من حياتنا الاجتماعية، ولكن الخوف من الطبيعة هو الذي جعل مكاناً للدين. وتباين العقل والمادة كما قد رأينا، أمر وهمي تقريباً، ولكن هناك تباين أكثر أهمية - أعني بين الأشياء التي تتأثر برغباتنا، وتلك التي لا تتأثر بمثل ذلك. والحظ بين الاثنين ليس بالنشيط أو الخامد، فكلما يتقدم العلم، تدخل تحت يد الإنسان أشياء أكثر وأكثر.
ومع ذلك توجد أشياء قطعية في الجانب الآخر، وتقع بينهما كل الحقائق الكبرى في عالمنا، وهي حقائق من النوع الذي يدرسها علم الفلك، والحقائق التي فوق - أو قريبة - من سطح الأرض هي وحدها التي تستطيع - إلى مدى محدود - تشكيلها بحيث تلائم رغباتنا، وحتى على سطح الأرض قوانا محدودة جداً، فقبل كل شيء لا نستطيع أن نمنع الموت، وإن استطعنا تأخيره غالباً.
إن كان الدين لمحاولة التغلب على هذا التناقض. ولو أن العالم يدبره الله، ويمكن تحريك الله بالصلاة والدعاء، فإنا بذلك ننال حصة من القدرة المطلقة. وفي الأيام السالفة كانت تحدث المعجزات استجابة للدعاء، وما زالوا يفعلون ذلك إلى الآن في الكنيسة الكاثوليكية، ولكن البروتستانت قد فقدوا هذه القدرة، ومهما يكن من شيء فمن الممكن أن يستغني عن المعجزات لأن الله قد قضى بأن تنفيذ القوانين الطبيعية سيأتي بخير النتائج الممكنة، ومثل هذا الاعتقاد في الله ما زال يصلح لتهذيب عالم الطبيعة. وجعل الناس يشعرون بأن القوى الفسيولوجية هي في الواقع حليف طيب. وبمثل هذه الطريقة يزيل الخلود الخوف من الموت، فالناس الذين يعتقدون أنهم حين يموتون سيرثون النعيم الأبدي؛ ينتظر أن يواجهوا الموت دون ما فزع. ومع أن هذا لا يحدث بلا تغيير لحسن حظ رجال الطب، ومهما يكن فهو يهدئ من مخاوف الناس بعض الشيء، حتى حينما لا يلاشيها كلية.
إن الدين منذ كان مصدره الرعب، قد عزز بعض أنواع معينة من الخوف؛ وجعل الناس لا يعدونها مخزية، وهو بذلك قد قدم للإنسانية أعظم إساءة، فكل المخاوف سيئة، وينبغي