للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إليه وقال (كيف هذا. ألم أشاهدكما معاً في الحديقة اليوم؟) فأصر بطرس على ألا يعترف للمرة الثالثة. . وفي تلك الآونة انبعثت صيحة الديك. . ونظر بطرس إلى يسوع على البعد. . واجتر في ذاكرته تلك الكلمات التي تفوه بها في المساء إذ قال له (إنك ستشرك بي ثلاثاً قبل أن تصيح الديكة) وعندما استعاد في ذاكرته هذا. . عرته رجفة من الألم الممض. . وزايل الحديقة. . وأرخى العنان لمقلتيه. . تذرف الدمع الحار. . والإنجيل يقول (لقد انصرف والدمع السخين يهطل من عينيه مدرارا). .

إنني لألمس ذلك الآن واضحاً جلياً. . فها هي ذي الحديقة يطويها الظلام. . ويخيم على أرجائها السكون. . .

وفي ذلك الهدوء الشامل اختنق صوته بالعبرات. . حتى وقف الكلام في حلقه. .

وتنهد الطالب تنهداً عميقاً. . وسرح ببصره في متاهات التفكير. . وكانت فازيليا لا زالت على شفتيها الابتسامة المشرقة. . بيد أنها غصت بريقها بغتة. . وانحدرت الدموع على وجنتيها المتوردتين وكأنما أخجلها أن تبكي فوارت وجهها بطرف ثوبها. . أما ليكريا فكانت عيناها تحملقان في الطالب في نهم وشراهة. . فتصاعد الدم إلى وجهها. . وبدت على سحنتها علامات التبرم. . كأنما تقاسي ضيقاً مؤلماً. . .

وانقلب العمال راجعين من النهر. . بعد أن أطفئوا ظمأ خيلهم. . ومر واحد منهم على الدار ممتطياً صهوة جواده. . بينما الأضواء تترنح على جسمه. . فحيا الطالب الأرملتين. . وودعهما. . وطواه الليل برداء الظلام مرة أخرى. . وسرى التخدر في أنامله. . وكانت الريح تعصف وتهب. . حتى كأن الشتاء قد عاد حقيقة. . ولم يكن هناك من الدلائل ما يوحي بأن شمس العيد ستشرق في الصباح الباكر!

وفي تلك اللحظة كانت خواطر الطالب منصرفة إلى فازيليا (لا ريب أن نشيجها هذا له صلة بما وقع لبطرس في الليلة التي طويت قبيل صلب المسيح. وأرسل إشعاعات من بصره على ما حوله وكان الضوء لا يزال يلمع في بهمة الليل. . بيد أنه كان وحيداً. . ولم يكن بجانبه آدمي ما. . وأجهد الطالب فكره ثانية. . في أنه ما دامت فازيليا قد بكت. . وما دامت ابنتها قد اضطربت فلا ريب أن ذلك حدث منذ تسعة عشر قرناً. . والذي أفضى بحديثه الآن. . لاشك أن هناك خيوطاً قوية. . تربط ذلك الشيء بالحاضر. . بهاتين

<<  <  ج:
ص:  >  >>