للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أين هي الثقافة الإسلامية التي يريد الأزهر أن تدرس بالمدارس؟ إن كان يعني تلك الحواشي والشروح التي ثمرتها حقب الانطواء والاجترار، فتلك كفيلة أن تذهب بالتلاميذ إلى الكفر أو البلبلة! وإن كان يعني مجرد حفظ سور من القرآن وشئ من الأحكام الفقهية في العبادات، فألوف وألوف يحفظون القرآن كله ويعرفون تلك الأحكام، والإسلام بعد ذلك مهمل لا يعرفه الأكثرون.

إنه ينبغي أن توجد أولا ثقافة إسلامية. ثقافة حقيقية واضحة حية، مطبقة على واقع الحياة الحاضر، تتناول مشكلات الحياة الفردية والاجتماعية القائمة بالبحث، وتوجد لها الحلول، ويومئذ ستزحف هذه الثقافة بذاتها إلى المدارس وإلى المجتمعات، ستزحف بحكم أنها ثقافة حية، لا بحكم أن طائفة تنفع أولا تنتفع بتقريرها في المدارس والمحاكم والدواوين! وتلك هي سنة الحياة.

ما أرى الإسلام في العمل والأجور؟ ما رأيه في توزيع الملكيات والثروات؟ ما رأيه في علاقة الفرد بالدولة، وعلاقة الدولة بالفرد؟ ما رأيه في سياسة الدولة الخارجية وفي المجتمعات الدولية؟ ما رأيه في الجريمة والعقوبة؟ ما رأيه في المعاملات المالية والاقتصادية؟ ما رأيه في طرق الحكم ونظام الإدارة؟ ما رأيه في خلق الكون وناموس الحياة؟

إن للإسلام لرأيا في حقل من هذه الحقول. وحول هذه الآراء يمكن أن تنهض ثقافة متشعبة الفروع، متشابكة الأصول، تواجه فلسفات الشرق وفلسفات الغرب، وتعلن عن وجودها العالمي في هذا المضمار.

والأزهر هو الذي يجب أن يمثل هذه الثقافة، فيكون مهبطها الذي تطلب فيه، وتكون موضوعه الذي يعالجه، وعندئذ يقال: هذه فكرة الإسلام وهذه فكرة الثقافة الغربية.

وعندئذ يمكن أن تنهض الأحزاب لتمثل فكرة في الحياة ونظاماً في المجتمع، ولتضع برامجها في ظل هذه الفكرة أن تلك، وللشعب بعدها أن يختار. يختار على أسس واضحة معروفة له، لا مدسوسة في بطون الكتب الصفر، نائمة منذ ألف عام!

وعندئذ يمكن أن يقوم الحكم على أساس هذه الفكرة، فيحققها في كل حقل من حقول الحياة، لا في تلك الجزئيات التي يطالب بها الأزهر في بعض الأحيان، فتذهب صيحته في

<<  <  ج:
ص:  >  >>