للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحساسة التي نصطدم بها؛ فمنها كثيرون لا نستطيع أن نحس نحوهم شيئاً من السرور، إذ يتقزز منهم بطبيعتهم. وإذا أرغمنا أنفسنا بمحاولة رؤية أي جمال، فإنا نبلد بذلك احساساتنا نحو ما نجده جميلاً حقيقة. وقد لا نعني بذلك الكائنات البشرية فهناك البراغيث والقمل والبق، فإنه لحتم علينا أن نكره أنفسنا بشدة كالبحارة القدماء قبل أن نشعر بالسرور من تأمل هذه المخلوقات. وبعض القديسين - وهذا ثابت فعلاً - قد دعاها (لآلئ الله) ولكن ما كان يسر به هؤلاء الرجال هو فرصة إظهار قداستهم فقط.

من السهل اتساع دائرة حب الخير ولكن إلى حدود معينة. فإذا أراد رجل أن يتزوج سيدة فلا نظن أن من الخير له أن يتراجع إذا وجد شخصاً آخر يريد زواجها، بل علينا أن ننظر إلى ذلك كميدان حر للمنافسة، ومع ذلك فإن مشاعره تجاه أي منافس لا يمكن أن تكون خيرة جميعاً. وأحسب أننا هنا على الأرض عند أي وصف للحياة السعيدة يجب أن نضع نصب أعيننا بعض أسس الحياة الحيوانية والغريزة الحيوانية؛ فبدون هذا تصبح الحياة فاقدة الروح غير ذات أهمية، ويجب أن تكون المدينة شيئاً يضاف إلى هذا لا شيئاً يستعاض به عنها، فالقديس الزاهد والحكيم المتزن يفشلان على هذا الاعتبار في كونهم كائنات بشرية كاملة. وعدد صغير منهم قد يثقف ويزين مجتمعاً، ولكن عالماً مؤلفاً منهم قد يموت من الانحلال.

وهذه الاعتبارات تؤدي إلى توكيد أن عنصر السرور أحد العناصر الجوهرية في أنواع الحب. والسرور - في هذا العالم الواقعي - أمر اختياري لا مفر منه، ويمنعنا من أن يكون عندنا نفس المشاعر تجاه الجنس البشري كله وحينما ينجم التعارض بين السرور وعاطفة حب الخير يجب أن يفضا باتفاق متبادل، لا بالتسليم التام من كليهما، فللغريزة حقوقها؛ وإذا شددنا عليها النكير أكثر من حد معلوم، فإنها تثأر لنفسها بطرق ملتوية، ومن ثم ينبغي أن يكون مدى إمكانيات الإنسان حاضرة في أذهاننا حينما تهدف إلى حياة سعيدة. وها نحن أولاء قد رجعنا ثانية إلى ضرورة المعرفة.

وحينما أتكلم عن المعرفة كأحد العناصر الجوهرية في الحياة السعيدة، لا أفكر مطلقاً في المعرفة الأخلاقية، بل في المعرفة العلمية، والمعرفة ذات الحقائق الدقيقة. ولست أحسب أنه يوجد - وأنا أتكلم على سبيل الحصر - شئ اسمه المعرفة الأخلاقية. فإذا أردنا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>