قالت كلابة من هذا فقلت لها ... أنا التي أنت من أعدائه زعموا
أنا امرؤ جدبي حب فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني سقم
لا تكليني إلى قوم لو انهمو ... من بغضنا أطعموا الحمي إذاً طعموا
وأنعمى نعمة تجزي بأحسنها ... فطالما مسني من أهلك النعيم
ستر المحبين في الدنيا لعلهمو ... أن يحدثوا توبة فيها إذا أثموا
هذي يميني رهن بالوفاء لكم ... فارضي بها، ولأنف الكاشح الرغم
وقد حدثنا الأصفهاني في أغانيه مرة أخرى ذات يوم إلى جنات الطائف متنزهاً فبصر بها مع نسوة جالسة، فعرفها وأحب أن يتأملها من قرب، دفعته الحيلة إلى ما دفعت إليه جميلاً إذ رأت أعرابياً ومعه سقاء لبن فرفع إليه العرجي ثيابه وأخذ قعوده ولبنه ولبس ثيابه ومر قريباً من النسوة، فصحن به: أمعك لبن؟ قال نعم، ومال إليهم وجعل يتأمل أم الأوقص وينظر حيناً إلى الأرض كأنه يطلب شيئاً وهن بشرين من اللبن، فقالت امرأة منهن: أي شئ تطلب يا أعرابي في الأرض؟ أضاع منك شئ؟ قال نعم، قلبي، فلما سمعت أم الأوقص كلامه نظرت إليه، وكان أزرق فعرفته. . فقالت العرجي ورب الكعبة! ووثبت وسترها نساؤها وقلن: انصرف عنا لا حاجة بنا إلى لبنك، فمضى منصرفاً وقال في ذلك:
أقول لصاحبي، ومثل ما بي ... شكاه المرء ذو الوجد الأليم
إلى الأخوين مثلهما إذا ما ... تأويه مؤرقة الهموم
لحيني والبلاء لقيت ظهراً ... بأعلى النفع أخت بني تميم
فمن هذه الرواية يتضح لنا أنه كان بجاري ابن أبي ربيعة حتى في مغامراته الغزلية وإن كان لا يجاريه في الشعر. وإخال أنه كان يتقصد هذه الأعمال طلباً للموضوع الشعري الذي ينظمه وخصوصاً وهو من فتيان قريش المعدودين في الحسب والجاه والرفعة والوسامة والفروسية والبطولة ومن ذوي اليسار.
سقت هذه الكلمة الموجزة عن هذا الشاعر بمناسبة ديوانه الخطى النفيس الذي عثر عليه صديقنا الأستاذ الشاعر خضر الطائي والديوان نسخة خطية فريدة وحيدة في العالم كله (ابن جني) استنسخها لنفسه. فقام الأستاذ الطائي بتحقيقها وشرحها والتعليق عليها بعد مقابلة