فدوائر الاستخبارات السياسية والحربية للدول الكبرى تعتمد على مصدرين في دراستها لوضعيات الشعوب الأخرى:
الأول يزودها به عملاؤها من (الجواسيس) من رعاياها أو من مخدوميها الغرباء. وهذا النوع من الاستخبارات لا تحتاج إليه الدول الصغرى في علاقاتها مع الدول الكبرى إلا بقدر محدود، لأنه يركز نشاطه في آلة الحرب، والاتصال بالعناصر من نظم الحكم في الدول المتخاصمة وغير ذلك من الأمور التي تهم الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية الحرب والسلم العالمي.
والمصدر الثاني:(وهو الذي يعنينا هنا) استنتاج المعلومات الدقيقة عن الوضعية الحقيقية في دولة ما عن طريق ما ينشر فيها من صحف ومجلات وإذاعات وكتب وتقارير وما يعكسه الممثلون الدبلوماسيين من ألوان الاتجاهات المستجدة في الدولة التي انتدبوا لتمثيل حكوماتهم بها.
وتحت هذا النوع من الاستنتاج تأتي دراسات من المستشارين وأهل الاختصاص في الدوائر الحكومية في المؤسسات العلمية الأهلية والجامعات وحلقات النقاش الحديث المنتظم على النحو الذي لفتنا إليه النظر في مكان آخر من هذه الكلمة وكثير من هذه الدراسات ليس له طابع السرية في أكثر الأحيان؛ وإنما يباع ويشتري في مكتبات معينة يعرفها أكثر المعنيين بهذا اللون من ألوان الثقافة.
إذن فالحصول على النوع الثاني من الاستنتاجات شرعي لا قيود عليه. ويجب أن لا يقتصر هذا النوع من النشاط على الملحقين الثقافيين في المفوضات والسفارات، وإنما يجب أن يخصص له فرع خاص في الدوائر المسؤولة في حكومات الوطن، وأن تشجع الجامعات على القيام به، وأن تقوم على الاهتمام به المؤسسات القومية، وأن ينشر في الناس أو على الأقل يوزع على المعنيين والمسؤولين عن توجيه الرأي العام العربي من كتاب صحفيين ومعلقين بالإضافة إلى الرجال الرسميين والنواب والشيوخ وغيرهم.
وهذا بالفعل ما تقوم به مثلا الحكومتان الأمريكية والبريطانية في صلاتهما مع نواب الأمة وشيوخها والصحافة المحلية ووكالات الأنباء والمراسلين الأجانب والمدنيين السياسيين وغيرهم، إذ أنها توفر لهم من الحقائق الأوضاع السياسية في الداخل والخارج ما تسمح