تنقطع لله تعالى. وهو حين يصلي، كثيرا ما ينفصل عما يحيط به من عالم مادي، وينطلق بروحة إلى آفاق الغيب البعيدة عن حدود الدنيا، فتمر الدقائق وهو لا يشعر بما يدور حوله من حركة وما ينبعث عن الحياة من ضوضاء وتشويش.
ومن عادة مولانا محمد علي أن يستيقظ في الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل، ولقد مرت عليه سبعون سنة وهو يستيقظ في هذا الموعد ليغتسل في مثل هذه الساعة المبكرة التي هي أحلى الساعات النوم عند الذين يعيشون بلا أهداف إنسانية عظيمة في الحياة، وما اضطربت هذه المواعيد مره في هذه السنين الطويلة، حتى إذا ما انتهى من الاستحمام، انهمك في صلاة التهجد حتى يطلع الفجر، ويؤذن لصلاة الصبح. ومن عادته أن يأخذ بعد ذلك قسطا من الرياضة البدنية بعد صلاة الصبح مباشرة، فيسير على قدميه مسافة تتراوح بين ثلاث أميال وخمسة أميال. ولم يقطع فريضة واحدة من الصلوات الخمس منذ أن كان طالبا في المدرسة وعمره لا يزيد على عشر سنين، ولم ينقطع عن صلاة التهجد الذي كان يشارك أستاذه ميرزا غلام أحمد منذ أن كان في الخامسة والعشرين من عمره السعيد.
ولعل بساطته، التي نسبته إلى حد بعيد، إلى بساطة الأطفال، ترجع إلى عمق اتصاله بالأبد وعالم الروح وهو على الأرض، وعلى الرغم من أن مولانا محمد علي يعيش في عالم يضطرب بالخداع والنفاق والغدر والنميمة والأذى، فإنه في أخلاقه كالكتاب المفتوح، يستطيع كل إنسان أن يقرأ فيه من النظر إلى قسمات وجهه كل ما يجيش في عواطفه من شعور السخط أو الغبطة؛ وهو كالمرأة الصافية الأديم، يرى الناظر فيها كل ما في تلك النفس العظيمة من استحسان أو استنكار، تلك النفس التي لا تعرف الخداع والتضليل والأباطيل.
والذين يعرفون مولانا محمد علي معرفة دقيقة من طول عهد الصحبة في مواكب الحياة، لا يذكرون مرة أنه مدح نفسه، أو أشار إلى ذلك من بعيد أو قريب، مهما حملت تلك الإشارة في طياتها.
وإنما يذكرون أنه دائما، يحصي على نفسه ذنوبها وهفواتها ويحاسبها حسابا عسيرا.
وبعد فهذه شخصية إسلامية جليلة القدر، بعيدة الأثر في خدمة الدين، تعمل أعمال الجبابرة وراء صمت التواضع ليكون العمل خالصا لوجه الله العظيم.