للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن فهم الحياة هو أن تفتح لمشاهدها أبواب القلب. . إننا (نراها) هناك تحت إشعاع الومضة الفكرية، و (نتلقاها) هنا تحت تأثير الدقة الوجدانية! وعلى مدار هذه الكلمات تستطيع أن تنظر إلى نجيب محفوظ في أعماله الفنية السابقة. . إنك لا تستطيع أن تجرده من التذوق الشعوري للحياة، ولكنه التذوق العابر الذي لا يتناسب وخبرته العميقة بها وفهمه الأصيل!

ويبقى بعد ذلك عنصر فني ثالث كان ينقص هذا القصاص الموهوب. . أتدري ما هو؟ هو تلوين الأسلوب القصصي تلوينا خاصا يتلائم وجو المشهد المصور، أو طبيعة النموذج البشري المرسوم. . في القصة مثلا موقف إنساني يتطلب عند تصويره أسلوبا معينا تتوفر فيه لمعات الشاعرية، وموقف آخر لا نحتاجفيه إلى مثل هذا الأسلوب الشاعري، وعندما نتناول الملامح المادية لمشهد من المشاهد أو لشخصيةمن الشخصيات، بأسلوب السرد الفني المألوف الذي تحتشد له القدرة على التقاط الجزئيات، وهناك موقف ثالث يفرض علينا أن نعالجه بأسلوب آخر هو أسلوب التجريد والتحليل، حين تعترض طريقنا تلك اللحظات

الزاخرة بألوان من الحركة الذهنية أو النفسية!

نجيب محفوظ في أعماله الفنية السابقة يكاد يستخدم أسلوبا واحدا في تصوير شتى المواقف والسمات، وأعني به أسلوب الرد الفني المألوف. . مثل هذا الأسلوب إذا ارتضيناه في تلك المواقف المهيأة لتجسيد الملامح المادية للمشاهد والشخوص، وتجاوزنا عنه في تلك المواقف الأخرى المخصصة لتسجيل الحركة الجائشة في الذهن أو المختلجة في الشعور، فإننا لا يمكن أن نسيغه بالنسبة إلى المواقف الإنسانية؛ لأنه يفقدها طابع الجو الشعري الذي يجب أن تعيش فيه، هذا الجو الذي إذا فقدته تعرضت للهمود واعتراها الفتور!

كل من هذه العناصر الفنية الثلاثة التي كانت تنقصه بالأمس: عنصر الالتزام الدقيق لحدود

(الواقعية الأولى)، وعنصر (التذوق الشعوري) الكامل للحياة، وعنصر (التلوين الخاص) للأسلوب القصصي؛ كل منها قد أحتشد له اليوم في صورته القوية الرائعة في (بداية ونهاية)، وإذا هذه الرواية القصصية تعد في رأي النقد عملا فنيا كاملا لا مثيل له في تاريخ القصة المصرية باستثناء (عودة الروح) لتوفيق الحكيم!!

(بداية ونهاية) قصة مصرية تمثل حياة أسرة. . أسرة تذوقت طعم الفقر وتجرعت ذل

<<  <  ج:
ص:  >  >>