الفاقة، بعد أن فرقت بينها وبين عائلها تلك اليد التي تفرق بين الأحياء. والفقر وحده هو المسؤول عن البناء الذي تصدع والشمل الذي تبدد، شمل الأسرة الكادحة التي كان للتضحية عند كل فرد من أفرادها طعم ومذاق.
الأم، وحسين، وحسن، وحسنين، ونفيسة؛ كل نموذج من هذه النماذج البشرية التي كونت الهيكل الإنساني العام للقصة، قد فهم التضحية فهما خاصا وكانت له فيها وجهة نظر خاصة، وجهة نظر حددت الطريق وقررت المصير. . كانوافلاسفة حياة؛ فلاسفة أخضعوا الفلسفة لمنطق الشعور المحترق بلهب الحرمان، حتى خرج بعضهم من الفلسفة وهو منحرف العقل مريض النفس، والفقر وحده هو المحور الرئيسي الذي دار حوله السلوك الإنساني لهؤلاء المنحرفين!
هذه الأم العظيمة كان عليها أن تكافح بعد موت الزوج لتخلق من هؤلاء الصغار رجالا يواجهون الحياة وهؤلاء الأبناء الأربعة لم يكن لهم مورد في الحياة غير تلك الجنيهات الخمسة التي كانت تأتيهم من معاش الوالد الراحل؛ كامل أفندي علي الذي أنفق في خدمة الحكومة زهرة العمر وعصارة الشباب! وماذا تفعل الجنيهات الخمسة لأسرة تواجه مطالب الحياة من مأكل ومسكن وملبس ومحافظة على المظهر القديم أمام الناس؟! هنا يبرز دور الأم. الأم الصابرة العاقلة الحازمة المكافحة في سبيل البقاء. لقد باعت أثاث البيت قطعة بعد قطعة لتسكت البطون الصارخة من وطأة الجوع، وهجرت (الشقة) التي كان يدخلها النور
والهواء ولجأت إلى أخرى عشش فيها البؤس والظلام توفيرا لقروش معدودات، وقضى حسنين وحسين أيام الدراسةالثانوية بلا (مصروف) يومي يشعرهما بأن للحياة فرحة يستشعرها الصغار من الأحياء، ومضت نفيسة تطرق الأبواب لتحصل لهم على الأجر الضئيل الذي كان يأتيها من حياكة الثياب بين حين وحين، وهام حسن الذي دلله أبوه حتى طردته المدرسة ونبذته الحياة، هام عل وجهه في الطرقات بحثا عن لقمة العيش من كل طريق غير شريف!
ودارت عجلة الزمن والأم العظيمة الصابرة ما زالت تكافح. . كانت الطريق طويلة، رهيبة، قد انتثرت على جانبيها الصخور. ومع ذلك فقد مضت في طريقها لا تلوي عل