شيء: يد تجفف العرق المتصبب من حرارة الكفاح، ويد تدفع إلى الأمام بالقافلة المكدودة التي أنهكها طول المسير! لقد كان هناك أمل. . أمل يتراءى على جنبات الأفق البعيد فينسيهم أنهم متشردون وإن ضمهم مسكن، عراة وإن سترهم ثوب، جياع وإن حصلوا على الرغيف. أمل يتمثل في الغد القريب الذي سيفتح عيني الأم الصابرة المكافحة على منظر فريد، تسعد فيه برؤية الصغيرين وقد أصبحا رجلين، يشغل كل منهما بعد الفراغ من التعليم مكانه المنتظر في دنيا الناس!
وجاء الغد المرتقب يحمل إليهم البشرى. . . لقد ظفر حسين بالبكالوريا والتحق بإحدى الوظائف في مدينة طنطا. قبل الوظيفة الصغيرة ليستطيع أن يمد يد العون إلى أسرته. أخوه حسنين، أمه، أخته نفيسة، كان من الظلم ألا يختصر طريقه في الحياة ليخفف عنهم جزءا من أعباء الحياة. ترى أكان يمكنهم أن يصبروا على شظف العيش حتى ينتهي من دراسته العالية؟ محال! وحين أضمأت نفسه إلى هذه الحقيقة أقدم على التضحية وهو سعيد مرتاح البال.
لقد ضحى حسين بآماله العراض. . إن المصير الذي ينتظرهلن يفترق عن مصير أبيه، وهو مصير الألوف من الموظفين الصغار! مستقبل محدود مظلم ولكنها فلسفة حياة. . وفلسفة الحياة تفرض على أصحابها التضحية في كثير من الأحيان! ونفيسة. . لقد ضحت هي الأخرى وكانت التضحية فادحة، ضحت بالشرف الغالي والعرض المصون. . كانت فقيرة، ودميمة، وأين الزوج المأمول وقد حرمت إلى الأبد عزة المال ونعمة الجمال؟ رجل واحد يستطيع أن يقبلها زوجة وتعيش معه تحت سقف واحد، رجل مضيع في الحياة مثلها فقير دميم! ولقد وجدت يوما هذا الرجل. . هذا الحيوان الذي استجابت له مرغمة تحت تأثير الحلم الجميل، حلم كل عذراء قبيحة الوجه وجدت بعد طول انتظار من يقول لها إنك جميلة، يا زوجة الغد القريب! وسقطت نفيسة. . وفر الحيوان الذي سلبها الشرف وتركها وحيدة تواجه الخاتمة في معركة المصير.
وقالت لنفسها يوما: ماذا بقي لك يا بائسة؟ لا مال، ولا جمال، ولا شرف. . هل بقي شيء تحرصين عليه؟ هل هناك ذرة من أمل في زوج جديد؟ وحين قهقه في أعماقها الجواب. . انطلقت تلبي رغبات الجسد عند كل عابر سبيل! وأمها، وأخواتها، لا أحد يعلم بم انتهت