إليه من ضياع. انحدار إلى الهوة السحيقة الرهيبة ولكنها فلسفة الحياة. . وفلسفة الحياة تفرض على أصحابها التضحية في كثير من الأحيان! وحسن، ذلك الشريد الهائم في الطرقات. . ماذا فعلت به المقادير؟ لقد جاع. . جاع لأنه لا يصلح لأي عمل (نظيف)، لقد فقد القدرة على أن يحيا حياة نظيفة، مرتبة، هادئة فيها أمن وفيها استقرار!
هناك في الحياة خط سير يستطيع أمثاله أن يسلكوه. . خط سير يعج بالدروب والمنحنيات التي تختفي فيها الكرامة، والشرف، والفضيلة، والإنسانية. . قيم ستختفي إلى الأبد، ومثل ستذهب إلى غير معاد. .
ولكن ستظهر بعدها اللقمة الدسمة التي تشبع كل معدة خاوية، وسيقبل في أثرها الثوب الجديد الذي ينعش كل جسد مهان، وستخطر البسمة المشرقة التي تسعد كل شعور ملتاع، وهذ١ هو خط السير الذي سلكه الفتى الشريد. . يتاجر بالمخدرات، ويعيش مع العاهرات، ويالها من حياة. حياة ينكرها عليه الشرفاء من أسرته وفي طليعتهم أخوه حسين، ذلك الفتى الطموح الذي تخرج في الكلية الحربية وأصبح ضابطا في سلاح الفرسان!
من فيض هذه الحياة الآثمة الهابطة استطاع حسن أن يخلق من العدم حياة أخوين. . ساعد الأخ الموظف حتى أستقر في وظيفته، ساعده بتلك الأسوار الذهبية التي سطا عليها من بيت عشيقته ذات صباح، ولولا التضحيات المماثلة التي قدمها لأخيه الضابط لما استطاع أن يسدد أقساط الكلية الحربية، وأن يرتدي الحلة لأنيقة ذات النجمة الصفراء. . ومع ذلك يعيره الضابط الشريف بحياته الشائنة، ويحاول جاهدا أن ينتشله من وهدة الإثم والهوان! لقد انحرف حسن وحاد عن الطريق، ولكنها فلسفة حياة. . وفلسفة الحياة تفرض على أصحابها التضحية في كثير من الأحيان!
أما حسنين، الملازم حسنين كامل علي فقد كانت تضحيته من ذلك النوع النادر في حياة البشر. . كان فتى طموحا منذ نشأته الأولى في (عطفة نصر الله) بحي شبرا، تلك العطفة الحقيرة التي لم تحد من طموحه يوم أن كان تلميذا صغيرا في بالمدرسة التوفيقية! كان طموحا رغم فقره، ورغم حاجته، ورغم البيئة التي نشأ فيها ولم تكن توحي لأحد من أبنائها بأمل الطموح. . إنه يقارن منذ أن صار ضابطا بين يومه وأمسه، فيشعر بهول الفارق بين حاضره وماضيه! هذه العطفة الحقيرة التي شهدت أيام بؤسه وبؤس أسرته يجب أن