للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تغادرها الأسرة إلى مكان بعيد؛ مكان يسدل الماضي البغيض ستارا من النسيان. . حسبه أن تلك العطفة القذرة قد شهدت أثاث بيتهم وهو يباع قطعة بعد قطعة ليعيشوا على الكفاف. وحسبه مرة أخرى أن تلك العطفة القذرة قد شهدت أخته نفيسة وهي تسعى إلى كسب عيشهم بعد أن كلت قدماها من السير وتعبت يداها من طرق الأبواب. وحسبه مرة ثالثة أن تلك العطفة القذرة قد شهدت رجال البوليس وهم يقتحمون المسكن الذليل بحثا عن أخيه المجرم الطريد. . كل شيء قد فسد يستطيع حسين أن يصلحه إلا شيا واحد

يتعذر معه الإصلاح، وهو أن يهتدي حسن إلى الطريق القويم! لقد استطاع الفتى الطموح أن ينتقل بأسرته إلى مصر الجديدة، وأن يرد إلى نفيسة كرامتها وكرامة الأسرة حين حال بينها وبين الهوان!

وهناك في ذلك المكان الجديد الآمن تنفس حسنين الصعداء. . لقد بدأت الحياة تبتسم بعد طول التهجم والعبوس، حين انقطعت أخبار حسن الذي كان يهدد طموحه وسمعته ونظرته إلى المستقبل كما فكر فيه!

و (بهية)، تلك الفتاة التي أحبها في عطفة نصر الله وخطبها إلى أبوها وهو تلميذ صغير، تلك الفتاة (البلدي) الفقيرة الساذجة لم تعد تصلح لأن تكون زوجة لضابط عظيم. . إن زوجة المستقبل وشريكة الحياة هناك في ذلك القصر الأنيق الذي ذهب إليه (خاطبا) منذ أيام. إنه يريد أن يقطع كل علاقة تربطه بعطفة نصر الله، ولو كان له في تلك العطفة حب قديم، حب قضى بين أحضانه أجمل أيام العمر وأسعد لحظات الشباب!

لقد اختفى حسن، واستقرت نفيسة، وذهبت بهية، وبقى أن يفتح القلب على مصراعيه ليستروح أنسام السعادة التي كان يحلم بها منذ بعيد. . ولكن القدر لا يريد للأسرة البائسة المسكينة أن تستريح، ولا يريد للفتى الطموح الأمل أ، يسعد بأحلامه وأمانيه! لقد هوى بضرباته السريعة المتلاحقة على أحلام العمر فبعثرها مع الريح في كل طريق. . لقد حيل بينه وبين حبه الجديد، حين رفضت الأسرة العريقة المترفعة أن تصاهر ضابطا يتهامس الناس حول أخته ويتحدثون عن أخيه. وحين أفاق حسين من الصدمة الأولى زلزلت

كيانه الصدمة الثانية، حين جيء إلى بيته بأخيه حسن محمولا تنزف منه الدماء، وعليه أن ينتظر اللحظة الرهيبة المنتظرة، حين طرق الباب رجل من رجال الشرطة ليستدعيه إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>