الحياة جميعا، فهو يكتب لا لتزجية فراغ، ولا لإظهار البراعة اللفظية والمقدرة اللغوية، ولا ليقيم مهرجانات ومواكب من العبارات الموسيقية الخلابة. ولكنه يكتب ليكشف الحياة لنفسه وللناس، ثم ليدعو الناس إلى عمل ما بازاء هذه الحياة، ويدعوهم إلى حبها إن كانت تستحق الحب، وإلى تغييرها إن رآها تستوجب التغيير، وإلى هدمها واقتلاعها من جذورها إن وجدها جديرة بذلك. . فالكتابة - عند المذهب الوجودي - عمل من الأعمال أو قل أنها أهم عمل من أعمال الحياة، وعلى الكاتب تقع مسئولية ما في الحياة من عوج وشذوذ وفساد أول ما تقع، والكلمات عند سارتر إنما هي أسلحة نارية، ومن تكلم أو كتب فقد أطلق هذه السهام، والكاتب مسئول عن الحياة اليومية الواقعية للناس وللوجود ومن هنا كان اشتقاق أسم المذهب الذي يشارك في الوجود وفي الحياة مشاركة فعالة، منتجة مغيرة، هدامة في بعض الحالات، والكتاب مشتركون، أو هم قادة للجهاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الحياة التي يعيشونها، وعليهم أن يعرفوا ذلك تماما، وأن يفرضوا لمل يكتبون أوسع انتشار وأعظم دوى وأبعد صدى.
والوجودية - في تحميلها الكاتب كل هذه المسئوليات - إنما تلتمسها من الحرية العريضة التي تفترضها فيه، إنها تفترض فيه حرية شاملة كاملة لا يحد منها شيء، حرية لا تغشاها مثل ومبادئ سابقة، ولا تقهرها ظروف أو بيئة، فالكاتب الحر قدير على أن يهزم هذه الظروف ويرتفع على تلك البيئة، ولا تحدها وطنية ضيقة، فالكاتب الوجودي لا يقف عند حدود وطنه، بل يتعداه إلى دفع الظلم أيا كان موطنه، ومحاربة الفساد في أي مكان يراه، فسارتر مثلا دافع عن الزنوج وأنتصر لهم على الأمريكان في روايته المسماة (القحبة الحفية) التي قام بترجمتها الكاتب الوجودي المصري (الدكتور محمد القصاص) والتي نرجو أن ينشرها على الناس حتى يتعرفوا بحق بعض المبادئ الإنسانية العالية التي ينطوي عليها المذهب الوجودي.
والوجودية تطلب إلى الكاتب ألا يهرف في الهواء، ويرثى الحريات المضيعة، ويبكي الظلم في الحياة، ويذرف الدمع سخينا على خلو الحياة من العدالة وما إلى ذلك. إن الوجودية لا تعرف هذا النواح في الهواء الطلق، ولا البكاء في الخلاء العريض، ولكنها تطلب إلى الكاتب أن يحارب ظلما بعينة واقعا من ظالمين بأعينهم، عل مظلومين بأعينهم! إنها تطلب