كنت أطالع، ما كتبه الأستاذان - سيد قطب - وشاهين - عن الأزهر وكأنه فزعة تنطلق من كياننا الثقافي والروحي لإيقاظ الأزهر وشارة الأضواء حول موقفه الغامض ومستقبله المريب. ولكن كيف يتسنى للأزهر - ما دام يحبس نفسه داخل جدران العصور الوسطى ولا يسمح لنور العصر الحديث أن يملأ آفاقه - أن تكون له رسالة إنشائية إبداعية في الميدان الديني وهو في عزلة عن تلك الدراسات التي تعوم حول رسالة الدين الاجتماعية، والتي تبلورت في علم الاجتماع الديني وعلم مقارنة الأديان. وقد أخذت دراسة الظواهر الدينية في عصرنا تحتمل مكانا هاما جدا بين مجموعة العلوم الاجتماعية. ولا شك أن الأزهر في أشد الحاجة إلى هذا النوع من البحوث، إذ ليس من الممكن أن تزدهر الدراسات الإسلامية ودراسات التوحيد بصفة خاصة دون هذا العلم. والأزهر يحرص على دراسة اللغة والأدب وشيد لهذه الغاية كلية، فهل حرص الأزهر على كيانها فطعمها بالدراسات الأدبية واللغوية التي تنهض بها الكليات التي تعنى بدراسة اللغة والأدب. والتي تقع على بضع خطوات منها - هي لا تعرف قيم لدراسة اللغة إلا للجانب الذي يتعلق بالإعراب؛ ولهذا كان - الأشموني وحاشية الصبان - يتمتعان بقسط وافر من العناية والجهد. ولكن هل عرفت - الكلية - أن هناك أبحاثا تدور حول اللغة ليست ناحية الإعراب أخصب منها ولا أجدى؛ منها الجانب الاجتماعي والجانب المنطقي والجانب النفسي والتطور اللغوي. الخ، فهل استحقت هذه الدراسات نظرة ولو خاطفة من واضح المنهج لكلية تدرس اللغة؟ وتدرس الكلية ما يقال له الدراسات الأدبية، فهل عرف الأزهر أن الدراسات الأدبية تطورت عظيما وأن هناك ما يقال له - علم النفس الأدبي - الذي أصبح ضرورة في فهم الأدباء وتأريخهم. فالدب حينما يحس ويتأثر فيجد الحاجة إلى التعبير، والناقد أو القارئ الأديب حينما يتفهم هذا التعبير والإحساس ويتذوقه ليقدره لا يستطيع أحدهما أن يقيم عمله إلا على أساس ثابت من معرفة النفس الإنسانية وحياتها الفنية، وذلك هو ميدان علم النفس الأدبي - فيجب أن نقيم دراستنا الأدبية على الفهم