للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفتحت النوافذ والأبواب، ولكها تتعقد في صدري واستقبلت السماء.

وتراءى القمر وحيداً حزينا. . تراءى كفجوة تخترق حائط الظلام الهائل. وجذبت نفسا طويلا. . لو استطعت كان أطول من الليل. ودخل الهواء الأسود رئتي.

وبقيت في النافذة، والليل أمواج ساكنة. . .

وسمعت صوت أقدام ثقيلة وقورة. كان رجل الدولة يتولى حراستها، ومر حوذي خاطب خيله مدللا إياها ربما أفاد كثيرا ذلك المساء. وأدار عربته ليأوي.

ويعبر أحد السكارى. . يطلق مزعجاته. . أغان مخنوقة مبتورة وفاجأه الجندي. كف! ومشى مستخذيا.

أولئك جماعة ما بعد الساعة الواحدة بعد نصف الليل. . . كلهم مرح. . كلهم سعيد. . .

والليل يزحف فوق صدري كغمامة سوداء، ليس لها نواح تدركها العين. وتحولت إلى البدر كالغريق. أنني غريق لجة قاتمة.

ويلاه! اختفى، وترك الدنيا. كانت متعلقة بأشعته، فلما قبضها هوت في بحر من الظلام.

وأنظر من قاعه، فيشاهد خيالي قمرا آخر. إنه يشرق من قلبي فيضئ حناياه. ويهتز الظلام. . يرتجف ومولي.

وأشاهد نفسي طافيا في بحيرة من الضوء. وأشاهد فتاة تسبح في ذهني، وكلها مفاتن.

. . . وجه كالزهرة الناضرة، وقوام كالرمح الممشوق، وأنوثة تتألق وتزهو. وصوت كأصوات الملائكة. . ترتيل ونغم.

تلك فتاة جمعت في نفسها حشدا من الحسن. . وستركع أمنع القلاع أمامه. . ستخر مويل قلب غزاه. . ستزلزل. . سيهوى

ويل عين رأت لن تغفى ستسهد.

وأفتك ما في الوجه عينان تثبتان على قلبي. . تصبان عليه الوهج ناعما رقيقا ما أبهجه!

وينصهر القلب تحت النظرات. . يترقرق ويسيل في مسارب ضيقة معقدة. وبحثت عنه فأخفقت. . تشربته المسارب الضيقة. غرق في أحزانه! ويلي. ويله!

أيتها العينان، ما بال ذبولكما يسري إلى قلبي؟ حسبت العين المريضة لا تمرض الأعين.

أيتها العينان، إذا تأملتكما أشرفت على قلب من النور

<<  <  ج:
ص:  >  >>