موضع ثقة حتى من عدوه!. . . وإنك لتجد الرجل يحسن حكما عن أخيه وتسمع أسلوبه تطمئن به إلى الخير؛ فإذا جاءت الظروف بذكر رفيق آخر قرع سمعك العجب وفجعك التناقض، ذلك أن الريبة والهوى تختلطان بحكمه الثاني كما كانت له عونا في حكمه الأول، وإنما جهلك بصلة له بالأول مهد لفجيعتك بما مد لك من خيوط الأمل. في حلبة الإنصاف
أما أولئك الذين يطرحون الريب والهوى فقد حصنت أخلاقهم ووقاهم الله أعدى أعدائهم من نفوسهم، وهم على قلتهم حصن الفضائل وشعلتها المتوارثة على مر الدهور
ولعل أروع ما يعبر ن وحشته في هذه الدنيا وما أينتج له سقم صحته وإرهاف حيه من توجه إلى شبهة يأس قوله:
غاض الوفاء فلست ألقى صاحبا ... إلى بغير فضيلة ووفاء
ومن كانت هذه حاله كان قليل الخلطاء وأقل عددا من أصدقاء. وما عرفت له أكثر من صديقين كلاهما أكبر منه سنا. وتلك ظاهرة تستوقف النظر، وتميط اللثام عن عقل أرجح من المعتاد، وعن فكر يسبق السن. ولقد كان بعيدا عن اللهو مع حاجته إليه، عازفا عن العبث، قليل متع الحياة، وهما من أسباب العلاج
أما أحدهما فذو نشأة مدرسية تجعل فيما بينهما بعض المشاركة! أما بعد هذه المشاركة فلا وشيجة تربطهما من حيث اصطلاح العشرة ونوع الحياة ومذاهب الأخلاق! ولكن الشاعر لا يكاد يهبط القاهرة حتى يتلازما: كل منهما ظل لأخيه
أما الشاعر فعدته وفاؤه، وأما الصديق فرابطته إكباره لخلقه ومكانته، وتقديره لشعره، وله عون من ذوقه للأدب، وكذلك شاء الله أن يكون في كفتي الدوافع لدى كل منهما قرب إلى المنتصف حتى يتلاقيا
وأما ثانيهما فذو نشأة قروية، قريب الدار، وجيه في قومه، له شهرة واسعة من خلق كريم
والشاعر الراحل شديد الحنين إلى خليه حيثما يكون، ولا يفترق عن أحدهما أو كليهما ما جمعهما المكان، وشعره ترجمان لصداقته وحنينه، ولكل منهما نصيب منه
ولعل أبلغ ما يعبر عن فضيلة الإخاء ذلك الزفر المستمر، وتلك اللوعة الدافقة التي خلفتها فجيعة في إحداهما المرحوم الشيخ أحمد السيد)
ولقد قال بعض علماء الأدب إن الشاعر في شبابه قلما يجيد الرثاء إلا إذا كان المرثي من