للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والرمح القاتل تتناوله الأكف بالتثقيف وتلهبه النار حتى يستقيم، فإذا ما حجبه السجن بعد ذلك عن العيون، فله في السيف والليث والبدر والرمح والنار عزاء أي عزاء وأي عيب على الرجل إذا كان كالليث الصائل، والنار المضطرمة، والسيف البتار!

هذا منطق عجيب، وأعجب منه أن يقنع الشاعر بوجاهته وسلامته فأخذ بتلابيبه ليقول:

قالوا حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأي مهند لا يغمد

أو ما رأيت الليث يألف غيله ... كبرا وأوباش السباع تردد

والبدر يدركه الظلام فتنجلي ... أيامه وكأنها تتجدد

والنار في أحجارها مخبوءة ... لا تصطلي أن لم تثرها الأزند

والزاغبية لا يقيم كعوبها ... إلا الثقاف وجذوة تتوقد

فهل رأيتم ما فعل التشبيه؟ لقد كاد أن يجعل السجن أملا باسما بحلم به العيون في غفلات الرقاد، ولكنه لن يمحو الواقع الأليم، فالسجن حميم لا يطاق!

إن عاصماً الكاتب ليقرأ الأبيات ثم يقرنها بما يكابده في السجن من ويلات، فيرى أن كلام ابن الجهم يحتاج إلى تصحيح صريح، ولن يكون هذا إلا من شاعر قادر يدحض الحجة ويقيم الدليل؟ فمن يكون ذاك؟

لقد اعتمد ابن الجهم على التشبيه، فليأته عاصم منه، لينازله بسلاحه في حلبة البيان، وهنا يطهر الحق للعيان

وسيقف القارئ على المناحة الصاخبة التي تولول في أعماق عاصم حين يجده يصرخ في مطلع القصيدة بقوله:

قالوا حبست فقلت خطب أنكد ... أنحى علي به الزمان المرصد

لو كنت كالسيف المهند لم يكن ... وقت الكريهة والشدائد يغمد

لو كنت كالليث الهصور لما رعت ... في الذئاب وجذوتي تتوقد

تمضي الليالي لا أذوق لرقدة ... طعما وكيف يذوق من لا يرقد

في طبق، فيه النهار مشاكل ... لليل والظلمات فيه سرمد

فإلى متى هذا الشقاء مؤكد ... وإلى متى هذا البلاء مجدد

ولك أن تقرأ هذه الأبيات مرة ثانية، فستجدها تخاطب الشعور وتتجه إلى الإحساس، فتلتاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>