هذا هو ملخص مضغوط جدا لأسطورة (أجا ممنون) كما ذكرتها الأساطير اليونانية. والذي يهمنا من هذه الأسطورة جميعها هي شخصية (أورست) وعليه سنعقد المقارنة، فماذا كان (أورست) هذا في الأسطورة اليونانية؟ ثم كيف صار عند زعيم المذهب الوجودي؟
لم يكن (أورست) في الأسطورة اليونانية غير آلة في يد الأقدار اتخذته لتنفيذ إرادتها، فلم يكن له هدف خاص في جريمته ولم تكن لديه (فكرة) عنها، ولم تكن لجريمته هذه علاقة بالحياة. . بحياته هو أو حياة الناس الذين يعايشهم، ولم يكن ينبغي بها تغيير أو تبديلا لشيء في الحياة، وهو قد تنصل منها بعد أن أتاها وضعف واستخذى وخارت قواه، وفر إلى الإله (أبولون) ثم إلى الإلهة (أتينا) يستجير بهما من ربات الانتقام اللائى يلاحقنه يبغين قتله جزاء على فعلته، فكانت جريمته بلهاء صماء لا معنى لها ولا أثر ولا هدف تهدف إليه.
وكيف كان (أورست) هذا عند زعيم الوجودية (جان بول سارتر)؟
إنه أخرج هذه الأسطورة على طريقته في روايته الشهيرة المسماة (الذباب أو الندم) التي قام بترجمتها الكاتب الكبير المبشر بالوجودية في مصر (الدكتور محمد القصاص) والتي أدعو القراء وبخاصة هؤلاء الذين يتهكمون على الوجودية أن يقرءوها في إخلاص وتجرد من الهوى. . . وأنا زعيم لهم بأن ينقلبوا لهذا المذهب أنصارا ومحبين.
جعل سارتر من (أورست) رجلا آخر يغاير تمام المغايرة ما كان عليه عند اليونان، جعله الرجل (الوجودي) المنشود!
يقترف الجريمة وهو يعني ما يفعل، ويقترفها حرا كريما مسئولا عنها وحده دون وحي سابق أو معونة خارجية، ويقترفها وهو يهدف باقترافها إلى احتمال آثام الناس التي يتردون فيها، والانفراد بالندم الذي يلاحقهم ويملأ عليهم حياتهم، وتلاحقه ربات الانتقام وتلازمه ليضعف أو يندم أو يهن فلا يكون ذلك منه أبدا. . ويقول في قوة وعنف (لقد فعلت ما فعلت ولن أندم عليه.) ويخاطب أخته (ألكترا) في أمر شعبة البائس النادم الغارق في الإثم فيقول لها: - (أصغي إلي: هؤلاء الناس الذين يرتعدون فرقا في غرفاتهم المظلمة تحيط بهم فقداؤهم الأعزاء. ما ترين لو أخذت على كاهلي جميع خطاياهم؟ ولو أردت أن ألقب عن جدارة (يسارق الندم)! وأن أفسح في نفسي مكانا لجميع توباتهم)