وحاول المسؤولون تشييد قرى حديثة تتوفر فيها الوسائل الصحية في بيوتها، فصدر عام ١٩٢٦ القانون رقم (٧٠) ولكنه بقي حبرا على ورق، ولو نفذ في حينه، لكان لسكان الأرياف في العراق الآن، قرى صحية نموذجية، تليق بكرامة الإنسان، وتلا ذلك محاولتان فاشلتان في السنتين ١٩٤١و١٩٤٩.
وهجرة الفلاحين من الأرياف إلى المدن، ظاهرة اجتماعية شديدة الخطر على قطر زراعي كالعراق، وسببها انحطاط مستوى المعيشة، وسوء العلاقة بين الفلاحين والشيوخ، وما يثقل كاهلهم من تبعات وأعمال، ثم ما يشعر به شبابهم من غبن، بعد عودتهم من خدمة العلم، حيث لا يجدون وجها للمقارنة بين حياتهم في القرى وبين حياة الناس في المدن.
ولقد ملأ هؤلاء المهاجرون مدينة بغداد، والبصرة، والناصرية، والعمارة، وارتضوا لأنفسهم الحياة في الأكواخ الحقيرة، التي نراها منتشرة في جهات متعددة من بغداد، وفي الفجوات بين قصورها، فتعقدت بهجرتهم مشكلة الفقر في المدن، وازدادت المتاعب الصحية والإدارية، والأمن، لأن الفقر كثيرا ما يدفعهم إلى السرقة، وارتكاب الجرائم، ذلك إلى جانب الارتباك الاجتماعي الذي يحدثه وجود جماعات لا يشعرون برابطة نحو أحد، وأثر ذلك المباشر على كثير من التراخي في الضبط الاجتماعي، وظهور المشاكل الإدارية، والأخلاقية والنفسية، ويزيد في المشكلة، الفيضان السنوي الذي يدمر في العادة، أكواخ هؤلاء التعساء، ومصيرهم بلا مأوى، هائمين على وجوهم، فيولدون ارتباكا لسلطات الأمن. وقد فشلت الحلول التي تفضي بإعادتهم إلى الأرياف التي هاجروا منها.
هذه لمحات عابرة، صور فلم المؤلف حقائقها تصويرا رائعا استمده من قلب ينبض بحب الخير المطلق، وهو في هذا التصوير الدقيق، لا يهدف إلى التجريح والإيلام إلى تشخيص الداء العضال، ليتيح الفرص للمخلصين، فيتقدمون بالعلاج الناجع. وهو في هذا العمل، أشبه ما يكون بالطبيب الحاذق الرحيم، يمد أدواته الجراحية إلى جسم المريض وهي تحمل في أطرافها الحادة، المعاني التي تخفف الألم، وتزيل الأوجاع.
والجرأة على تصوير الحقائق المريرة، التي ينفر الناس من النظر إليها، ولا يقوون على مواجهتها، التي هي بطولة لا يتقدم إلى ميدانها الأصيل، إلا كل مغامر جرئ، لا يخشى