اتخذ مدينة عدن مركزاً. وكان هذا الوكر معروفاً للحاكم البريطاني في عدن الذي كان يرعاه ويحنو عليه ولا بدافع العطف فحسبن بل بدافع المنفعة المادية التي كان هذا الوكر يفرقها بسخاء على الموظفين البريطانيين في جنوبي شبه جزيرة العرب
ولقد كان هذا الرخاء الاقتصادي وهذا التنظيم الداخلي، وهذه المعونة الخارجية (اليهودية البريطانية) التي توفرت ليهود اليمن - كان هذا كله من أهم العوامل التي حفظت ليهود اليمن كيانهم سالماً لن يتأثر مطلقاً في ناحيته السياسية أو المالية أو الدينية. ولذل حرص اليهود على السكنى متجاورين معاملة بعضهم مع بعض وستر اجتماعاتهم وإخفاء تدابيرهم عن أعين اليمنيين المسلمين. وهذا هو السر الذي حقق لليهودية العالمية سرعة نقل يهود اليمن إلى فلسطين في دقة فائقة، إذ أن هذه السرعة كانت مسبوقة باستبعاد داخلي وتنظيم دقيق مستتر عن طريق الوكر اليهودي المنظم في محمية عدن
وقد كان من ألوان هذه المخادعة التي ستر بها يهود اليمن خططهم للرحيل إلى فلسطين تفاديهم الظهور بمظهر الباذخ المثري، فقد كان أغنياؤهم حريصين على أبسط الثياب والسكنى في بيوت ظاهرها لا تأخذه العين وإنما تتجمع في داخلها ثروات من المال والجواهر والسلع الغالية الثمن. ولم يكن في اليمن ما يدفع اليهود إلى هذا اللون من الخداع إلى ما كانوا يضمرونه من خطط لمستقبل، فلم تكن الحكومة اليمنية متعسفة في معاملتهم ولم يسبق لمسلمي اليمن أن اعتدوا على يهودي بغير حق
كتب أحد عملاء الصهيونية الذين زاروا اليمن قبيل هجرة اليهود منها في مجلة (كومانتري) الأمريكية اليهودية في عدد يوليو سن ١٩٥١ ما يلي:
(لم أسمع من يهودي اليمن في مساورتي لهم سوى المديح لجيرانهم المسلمين. فلم يحدث في تاريخ اليمن أن احرق كنيس يهودي أو انتهكت له حرمة. وكانت معابد اليهود تضاء وتحلى بألوان الزينة تحت أعين اليمنيين المسلمين وأبصارهم. وكان هؤلاء المسلمون يقدرون عنصر التوحيد في الديانة اليهودية حق تقديره، ولم تنشأ في حاضر اليمن أو قديمها أي حركة توخت الحد من الحرية الدينية والاجتماعية للجاليات اليهودية هناك. وكان حاخاميو اليمن يلقون بعض العون المادي من حكومة جلالة الإمام اليماني. ومن الأدلة على سماحة المسلمين في هذه الأيام أن الجاليات اليهودية هناك كانت تحتفظ بنسخ من التوراة