يصرف له مرتبه، وهو أخاه الأصغر بالقسط الأول من نفقات الكلية الحربية. . . وحين يصبح أخوه ضابطا يأتي إليه ليسأله أن يسير في طريق أكثر استقامة ويبتعد عن الشر الذي يرزح تحته. . . ولكنه يفهمه أن هذا الشر هو الذي صيره ضابطاً، وأن ما يعتقده هو خيراً، ولا فرق بين الاعتقادين وإنما الفارق بين البيئتين، فهو حيث هو محترم موقر، وهو لن يذهب إلى أخيه ولن يحتاجه، وهكذا ينصرف الضابط بعد أن يئس من إصلاح أخيه
وصاحب التوجيهية موظف بطنطا يهم بأن يتزوج من ابنة رئيسه ولكن الأم تدركه فيعدل دون أن تواجهه بالكلمة الصريحة. . فقد كان يحسبه أن تشير لكي يفهم وينفذ
والضابط بعد أن يتخرج ينظر هو إليه فيروعه ما يحيط به من وسط وبيئة ويحقد في نفسه وتثور النار. . فهو ساخط على أخيه ساخط على ماضيه ساخط على حاضره ساخط حتى على عروسه بعد أن تبين له أنه لم يكن يحبها هي وإنما كان يحب أن يقبلها وقد اغتصب منها القبلة فهو لا يريدها، وهو طامح غلى التغيير فهو ينتقل إلى مصر الجديدة، وهو يتلخص من خطيبته بعد خطبة دامت ثلاث سنوات، وهو يتقدم إلى ابنة موظف كبير كان يعطف على أبيه وعليهم من بعدهن ولكن طلبه يرفض فيزداد سخطه
وكم كان نجيب رائعا حين لمس ذلك الحب الذي يكنه أكبر الصغيرين لخطيبة أخيه. . . حب يترقرق دون أن يتبلور. . . يهم بأن يصل من القلب إلى العقل، ولكن عقل الفتى قوي جبار يحبس هذه الهمسة ويكتمها حتى يفسخ أخوه الخطبة فيتقدم هو لخطبة الفتاة، وهو أمام عائلته يصلح خطأ أخيه، وهو يحاول أن يقنع نفسه بذلك أيضاً ولكن الهمسة قد أصبحت صرخة وليكن ما يكون
أما الأخت فإنها تظل تنتقل من رجل إلى رجل حتى يضبطها بوليس الآداب وتحتمي بأخيها الضابط فتكون الطامة. . . لقد كان ثائراً على ماضيها أن كانت تعمل خياطة، ولقد ضاع ماضيها هذا ابنة الموظف الكبير من يده. أفلا يكفيها هذا الأبد أيضاً أن تكون هكذا. . . يحاول أن ينتقم، ولكن أخته كانت مطمئنة لمصيرها هادئة إلى نهايتها. . . إنها لم تكلمه أن ينتقم. . . إنها ستنتحر. . إنها انتحرت
وكأنما أراد نجيب أن يقول لهذا الضابط المتعجرف وأن يقول لأمثاله الذين أكثرت من وجودهم الأجواء العاصفة بنا في هذه الأيام أراد أن يقول (إن كنت لا تصدق أن هناك شرا