للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك

(ومراد النفوس أصغر من أن ... نتعادى فيه وان نتفانى)

وإذن أفتزهد في هذا الصغار أيها الحكيم؟ ذلك ما ينكره المتنبي اشد الإنكار، ويحرمه كل التحريم، ويعتده كفرا:

(غير أن الفتى يلاقي المنايا ... كالحات ولا يلاقي الهوانا

ولو أن الحياة تبقى الحي ... لعددنا أضلنا الشجعانا

وإذا لم يكن من الموت بد=فمن العجز أن تكون جبانا)

وماذا من العذابات التي نلقاها من مخاوف الموت ووقعه؟

لا داعي للتردد حيالها فهذه أوهام:

(كل ما لم يكن من الصعب في الأن ... فس سهل فيها إذا هو كانا)

أو كما قال في موضع آخر:

(فما الخوف إلا ما تخوفه الفتى ... ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا)

أو كقوله في غيره:

(والأسنى قبل فرقة الروح عجز ... والأسى لا يكون بعد الفراق)

ويكرر المتنبي ذكر الأسباب نفسها في عشرات المواضع من ديوانه، وينتهي إلى هذه النتيجة نفسها كقوله:

لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه

يموت راعي الضأن في جهله ... موتة جالينوس في طبه

وربما زاد على عمره ... وزاد في الأمن على سربه

وغاية المفرط في سلمه ... كغاية المفرط في حربه)

وما نتيجة ذلك أيها المتنبي؟

فلا قضى حاجته طالب ... فؤاده يخفق من رعبه.

وإذا فليست الغيرة في الحياة بما نرى وما نريد أو لا نريد، ولكن الغيرة بالدوافع والأمزجة فهي التي تحدد المذهب والإحساس والنظر، والمعري والمتنبي كلاهما صادقان فيما يحسان وما يقولان، وكل منهما في كل ما يقول وفي لمزاجه، وفي لمذهبه ودوافعه في الحياة، فلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>